الحكم عند تعارض المصلحة مع الإقامة بجانب الأم

أنا سيِّدة متزوِّجة منذ حوالي خمسة عشر عامًا، ولم يرزقنا اللهُ تعالى بالذُّرِّيَّة، ومنذ حوالي ثمانية أعوام نقيم في بلاد المهجر. والدة زوجي قد بلغت من العمر عتيًّا، وحالتها العقلية كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [النحل: 70]. وهي تقيم وَحْدها في شقَّةٍ خاصة بها بنفس العمارة التي يقيم فيها ولداها وابنتُها، كلٌّ مع أسرته، وكلٌّ منهم يمتلك شقةً خاصة به وبأسرته. وأولادها هناك لا يتركون أُمَّهم من ليل أو نهار إلا ساعة النوم، كما أن المبنى الذي يسكنون فيه جميعًا خاصًّا بهم لا يشاركهم فيه أحدٌ، أقصد خارج الأسرة. وزوجي الآن يشعر بعقدة الذَّنب لأنه لم يكن إلى جوار أمه ليخدمها فيما تبقَّى لها من العمر، وعلى هذا فقد قرَّر أن يسافر إليها واضعًا في باله أنه لن يعود أبدًا إلى هنا إلا في حالة واحدة، وهي حالة ما إذا تُوفِّيت أمُّه قبله. وأنا هنا لا أستطيع السفر معه لأني ملتزمة بعملي، وإن تركتُه وسافرت معه فسوف أُحرمُ من كافَّة حقوقي المالية، والتي منها مكافأةُ نهاية الخدمة من ناحيةٍ، وحصولي على تعويض التقاعد الذي سيكون مُستَحَقًّا لي إن شاء الله بعد أربعة أعوامٍ. وقد استأذنتُه أن أبقى هنا في عملي أثناء غيابه وأقيم مع أخي وأسرته ريثما يعود إلى هنا.
والسؤال الذي أنا بصدده: هل إذا طلبت منه أن يبقى معي ولا يسافر أكون آثمةً، أم أتركه يسافر وأقيم مع أخي ريثما يعود؟ وهل رعاية إخوانه لها تكفي، أم لا ؟ وهل إن عدَلَ عن السفر وبقي إلى جانبي أولى شرعًا، أم إذا ذهب إلى أمِّه ليرعاها أولى شرعًا؟ وهل إذا ألغى سفره وبقي هنا يعتبر عاقًّا لأمِّه، أم لا؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فـ«رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا الْكِبَرُ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْـجَنَّةَ»(1). وإن زوجَك وقد حرم من نعمة الولد الصالح الذي يدعو له بعد موته يريد أن يتَّخذ من هذا العمل سبيلًا إلى ربِّه، فلا تحرميه من ذلك، ولا تقفي عقبةً في طريقه، بل أعينيه عليه وشاركيه في أجره، ولاسيَّما أن قضيَّتك في الإقامة قضية دنيوية: مستحقات مالية ومكافآت ومعاشات… إلخ، وقضيَّته في السفر إلى أمِّه قضية أخروية: برٌّ بأمِّه واغتنامٌ لفرصة حياتها؛ فإما أن تُسافري معه، وإما أن تُمكِّنيه من السفر إلى أمِّه إذا تراضيتما على ذلك، ولك في بقيَّة أسرتك مستقرٌّ وصحبةٌ إلى حين، ويظلُّ في هذه الفترة متردِّدًا بينك وبين أمِّه إلى أن يقضي اللهُ أمرًا كان مفعولًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة» حديث (2551) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend