الحزن والكآبة من خوف فوت الحبيب

أود سؤالكم وأود مساعدتكم في شيء.
أنا طبيبة عمري 26 عامًا، أحببت ابن خالتي، ودائمًا ما حاولنا أن نرتبط، ولاقى زواجنا عقبات، والآن والده رفض للمرة الرابعة، وأنا أُجبرت على تركه، والله يعلم كم أُحبه.
والمشكلة أنه حتى من يأتون لخطبتي لا أتقبلهم، وأنا لا أستطيع أن أتوقف عن حبه، وقد أُصبت بكآبة فظيعة، أصبحت أكره حياتي، وفي بعض الأحيان أخاف أن يُعاقبني الله أو أني لن أجد السعادة أبدًا.
سئمت مِن رؤية مَن حولي سعيدين وأنا حزينة، حزينة إلى حدٍّ فقط الله يعلمه، لقد بدأت أيئس من حصولي على السعادة في يوم ما، ولا أستطيع تخيُّل حياتي من غير ابن خالتي.
أفتوني جزاكم الله خيرًا، هل أحاسب على هذا اليأس الذي أصابني رغمًا عني؛ لأني أصبحت لا أرى غير الحزن والكآبة وأصبحت متيقنة من أني لن أجد السعادة ولا أستطيع أن أتفاءل؟ ساعدوني جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأبدأ جوابي بقول القائل:
لكلِّ شيءٍ إذا فارقتَه عِوَض *** وليس لله إن فارقتَ من عوض(1)
وقول القائل:
وكلُّ كَسْرٍ فإن الله يَجبُره *** وما لِكَسْرِ قناة الدين جُبْرَانُ(2)

إن السعادة يا بنيتي في الرضا بما قَسَم الله عز و جل ، في يقيننا بأن اختيار الله لنا خير من اختيارنا لأنفسنا في أن تتذوقي عبودية الرضا عن الله عز و جل ، فإنها جنة الله في الأرض، ومن لم يدخلها فلن يدخل جنته التي في السماء.
كم من أمورٍ تعلَّق بها الناس في دنياهم، وصرفها ربهم عنهم برحمته وفضله؛ لأنه يعلم أنها لن تُحقق لهم ما يتطلعون إليه من سعادة، بل قد يكون فيها عطبهم وهلاكهم، ألم تقرئي قول الله تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: 11].
المستقبل يا بنيتي غيب، والغيب لله عز و جل  فهو محجوب عنا، وعلى المرء أن يبذل الأسباب المشروعة في تحصيل ما تتُوق إليه نفسه من الأمنيات والرغبات المشروعة بعد الاستشارة والاستخارة، فإن حجبها ربُّه عنه قابل ذلك بالرضا والتسليم، موقنًا برعاية الله ولطف الله تعالى به، وأنه لو اطلع على الغيب ما اختار إلا ما اختاره الله تعالى له.
ومن ناحية أخرى فإن اليأس يا بنيتي إحدى الراحتين، لا أقصد بطبيعة الحال اليأس من رَوْح الله، فذلك كفر، ولكن اليأس من تحصيل ذلك الشيء فيصرف عنه عنان القصد، ولسان حاله يقول:

  • إذا لم تستطع شيئًا فدعه
  •  وجاوزه إلى ما تستطيع(3)

 

ولن تتوقف الدنيا لتحصيل محبوب أو فواته، كما أنها لا تتوقف لموت أحد أو لحياته.
إن الأزمة في حقيقتها يا بنيتي أزمة إيمان، فإذا تجدَّد ربيع الإيمان في القلب، واستعادت النفس عافيتها الإيمانية، انفرجت الأزمات وانقشعت الغشاوات، وزالت الكربات.
وبقيت كلمة أخيرة: لعل هذه المعاناة كفارة عما بدر من تفريط في زمن التواصل، فإن هذه العاطفة المشبوبة لا تنشأ من فراغ، فلعل ما كان من استرسال في الحديث والتشعب به في دنيا العواطف يمنة أو يسرة، أو ترخص في النظر عند اللقاء كان وراء اتقاد هذه العاطفة، وكان شؤمه وراء انكسار سفينتها، و«مَا يُصِيبُ الْـمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ؛ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا- إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»(4).
فأسأل لله تعالى أن يردَّك إليه ردًّا جميلًا، وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) هذا البيت للشيخ أبي أيوب الـخَلْوَتي، وهو من بحر البسيط. انظر: «نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة» للمحبي الحموي الدمشقي المتوفى سنة 1111هـ، كتاب ألفه في تراجم أدباء وشعراء عصره.

(2) البيت لأبي الفتح البُستي، من شعراء القرن الخامس الهجري وكُتَّاب الدولة السامانية في خراسان. وهو من بحر البسيط، من قصيدة مطلعها:
زيادَةُ المَرء في دُنياهُ نقصانُ… وربْحُهُ غَيرَ محض الخَير خُسرانُ

(3) هذا البيت لعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وهو من بحر الوافر.

(4) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «المرضى» باب «ما جاء في كفارة المرض» حديث (5642)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن» حديث (2573)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend