استخدام الزوج التورية في حديثه مع زوجته

ما حكم أن يستخدم رجلٌ توريةً مع زوجته على هذا النَّحو إذا كان الرجل يُحبُّ زوجته وهي أيضًا تحبُّه، ولكن الزَّوجة مثلًا لا تُصارح الزَّوج بحبِّها، وإن كان يظهر في تصرُّفاتها حبُّها له، وإنني أعني أنها مثلًا لا تقول له: أنا أحبُّك غير مراتٍ قليلة. وأراد الرجل أن يجعل زوجته تغار، فاستخدم معها التورية، بأن يقول لها: إنني أريد أن أخبرك عن شيء مهم، هناك امرأة معجبة بي. ويكون في نيته زوجته، ويقول لها كلامًا على هذا النَّحو ولكن في نيته زوجته؛ لأنها فعلًا معجبةٌ به وتحبه.
وهو يقول لها هذا الكلام لكي يرى غَيْرتها ومدى حبِّها له، على أنه لو حدثت مشكلةٌ أو شعر بحدوث مشكلة- لا قدر الله- فسوف يُخبرها أنها هي التي تحبه ومعجبة به. فما رأيك شيخنا؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن في المعاريض مندوحةً عن الكذب(1)، وقد وسعت الشَّريعة فيما يكون بين الرجل وأهله من أحاديث تتعلَّق بالعواطف، حيث لم تُرخص في الكذب إلا في ثلاثة مواضع: في الحرب، والإصلاح بين النَّاس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها(2).
وعن عكرمة قال: كان ابنُ رواحة مضطجعًا إلى جنب امرأتِه فقام إلى جاريةٍ له في ناحية الحُجرة فوقَع عليها، وفزعت امرأتُه فلم تجدْه في مضجعِه، فقامت وخرجت فرأتهُ على جاريته، فرجعت إلى البيتِ فأخذت الشفرة ثم خرجَت، وفرَغ فقام فلقِيَها تحملُ الشفرةَ فقال: مهيم(3)؟ فقالت: مهيم؟! لو أدركتُك حيث رأيتُك لوجأت بين كَتِفيك بهذه الشفرة! قال: وأين رأيتِني؟ قالت: رأيتك على الجاريةِ. فقال: ما رأيتِني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يقرَأَ أحدُنا القرآنَ وهو جُنُبٌ. قالت: فاقرأ. فقال:

  • أتانا رسول الله يتلو كتابه
  •  كما لاح مشهور من الفجر ساطع
  • أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا
  •  به موقنات أن ما قال واقع
  • يبيت يجافي جنبه عن فراشه
  •  إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

 

 

فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر، ثم غدَا على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأخبره فضحك حتى رأيت نواجذه(4).
وقد جاء في «إحياء علوم الدِّين» للغزالي: أن ابنَ أبي عذرة الدؤلي حَلَفَ على زوجته أن تَصْدُقَه في أنها تحبُّه أو لا تحبه، فأخبرته أنها لا تحبه، فاختصما إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فسألها: هل تحدَّثتِ أنك تُبغضين زوجك؟ قالت: نعم، لأنه أنشدني الله. أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فاكذبي، فإن كانت إحداكن لا تُحب أحدَنا فلا تُحدِّثه بذلك، أقل البيوت الذي يُبْنَى على الحُب(5).
ولكن ينبغي ألا يُسرف في ذلك حتى لا يفقد مصداقيَّته أمام زوجته، وهذه الأمور نسبية، تتفاوت من حالة إلى أخرى، والرجل أدرى بما يُصلح أهله، ولكن لا ينبغي له أن يستخدم الرُّخصة بجفاء.
زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه البخاري (4794).

(2) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في إصلاح ذات البين» حديث (4921) من حديث أم كلثوم بنت عقبة ل قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «لَا أَعُدُّهُ كَاذِبًا: الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ فِي الْـحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ وَالْـمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (4921).

(3) أي: ما هذا.

(4) أخرجه الدارقطني في «سننه» (1/120) حديث (13).

(5) «إحياء علوم الدين» (3/138).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend