إكراه البِكر على الزواج بمن لا تحب

بنت تزوجت غصبًا عنها بعد إجبار أهلها لها على الزواج من ابن خالها، وهذا بعد رفض أهلها لي. وأنا لا ينقصني شيء، ونحن على علاقة منذ زمن، ولا نريد غير الحلال.
استمر الزواج شهرين، وتم الطلاقُ، فرجعنا لنتكلم ثانيةً، واتفقت أنا مع والدتها على كل شيء، على الزواج من البنت، وبعدها رفض جدُّها أن تتزوجني الفتاة؛ لأنها أعلى مني في المستوى، وأجبرها على العودة إلى زوجها السابق بعد تهديده لها أنه سوف يتم ترحيلي من البلد الذي أنا موجود فيه، وسوف يذهب إلى أهلي ويهددهم كي أبعد عن هذه البنت.
وتمَّ عقدُ القران وعودتها إلى زوجها، من دون أن توكِّل البنت أحدًا عنها، ولا أخَذ المأذون رأيها بالموافقة أو لا، وقَّعت فقط على العقد ليس أكثر، أعني أنه تمَّ العقدُ تحت التهديد وليس برضاها.
ولم تذهب البنت مع هذا الشخص إلى بيته إلى الآن، وهي رافضة تمامًا أن تذهب معه، ولم تسمح له حتى بالكلام معها ولا رؤيتها، وقام جدها بأخذها إلى بيته، ويرفض أن تخرج. وتم حبسها داخل البيت، ويريد أن تذهب مع زوجها غصبًا عنها، وهي ترفض، وهي في حالة نفسية سيئة جدًّا.
آسف على الإطالة، هل يجوز هذا الزواج؟ وماذا تفعل الفتاة لتنفصل عن هذا الشخص لأنه مستحيلٌ الحياة معه؟
أرجو الاهتمام منكم شيخنا الفاضل. بارك الله فيك وفي علمك.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يحلُّ إكراهُ الفتاة البالغة على الزواج بمن لا تحبُّ؛ فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: 19].
وكانوا في الجاهلية إذا ماتَ الرجلُ عن امرأة تزوَّجها ابنُ عمِّه غصبًا عليها، وقد بوَّب البخاري في «صحيحه» بقوله: باب: «لا يجوز نكاح المكره». ثم استدلَّ بحديث الخنساء بنت خذام. وحديث استئذان البكر.
وحديث الخنساء رواه البخاري في «صحيحه» عن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوَّجها وهي ثيِّب، فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ نكاحه(1).
والمقصود بحديث استئذان البِكر هو عموم قوله عليه الصلاة والسلام:«لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»(2)، وخصوص قوله:«وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا»(3).
ومن ناحيةٍ أخرى فإن الأبَ ليس له أن يتصرَّف في مالها إذا كانت رشيدةً إلا بإذنها، وبُضْعها أعظمُ من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بُضْعها مع كراهتها ورشدها؟!
وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في «فتاويه»: «وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح، فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يُكرِهها على بيعٍ أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تُريدُه، فكيف يُكرهها على مُباضعةِ ومُعاشرة مَن تكره مباضعته، ومعاشرة مَن تكره معاشرته؟! والله قد جعل بين الزوجين مودةً ورحمة(4)، فإذا كان لا يحصل إلا مع بُغْضها له ونفورها عنه، فأي مودة ورحمة في ذلك؟!»(5). اهـ.
ومع تحفُّظي على حدِيثك معها، الذي لا ينبغي أن يُستدام على هذا النحو إلا في ظل علاقة شرعية واضحة المعالم؛ فإن كان الحال كما ذكرت فإن لهذه الفتاة أن تلجأ إلى القضاء الشرعي لفسخ هذا النكاح. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه البخاري في كتاب «الإكراه» باب «لا يجوز نكاح المكره» حديث (6945)، من حديث خنساء بنت خذام الأنصارية رضي الله عنها.

(2) أخرجه البخاري في كتاب «الحيل» باب «في النكاح» حديث (6968) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3) أخرجه مسلم في كتاب «النكاح» باب «استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت» حديث (1421)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4) قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend