أثر سب الدين قبل بلوغ الحلم على عقد الزواج

في الأيام القليلة الماضية قرأت كثيرًا عن خطورة موضوع سبِّ الدين، وأن ذلك يُعتبر كفرًا بإجماع أهل العلم، كما قرأت إثر ذلك عن عقد الزواج وأصابني القلق بشدة منذ ذلك.
فأنا الآن متزوج ورزقني الله بولد وبنت، ولكني أذكر أني ارتكبت هذه الجريمة مرَّةً واحدة في حياتي وكان عندي 12 سنة تقريبًا، ولم أكن بلغت الحلُمَ بعد، ووقتها كان لي صديق وأخبرني أن سبَّ الدين من أكبر الكبائر، وأنه ذنب عظيم، وندمت حينها، وعاهدت الله على أن لا أكررها أبدًا، والحمد لله منذ ذلك اليوم ولم أفعل هذه الجريمة مرة أخرى. ولكني في ذلك الوقت كنت صغيرًا ولا أعرف أنه من الواجب على من يفعل ذلك أن يغتسل ويقول الشهادتين ويُصلي ركعتين، وبالتالي أنا لم أفعل ذلك حينها.
ومرت الأيام والسنين وتزوجت ورزقني الله بالذرية والحمد لله، وأنا الآن على مشارف الـ30 من العمر. ولكني مصاب بالقلق وأخشى أن يكون ما فعلته وأنا عندي 12 سنة من الممكن أن يُؤثر على عقد الزواج.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يخفى أن سبَّ الدين إن قصد به الدين المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أيِّ نبي من الأنبياء فهو كفرٌ بالإجماع.
ولكن لا يعظم يا بني ذنبٌ على التوبة كائنًا ما كان؛ لقد قال ربك في أصحاب الأخدود الذين كفروا بالله وأحرقوا أولياءه بالنار:{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]. فلو تابوا لتاب الله عليهم.
وقد منَّ الله عليك بالتوبة، فأبشر بربٍّ غفور رحيم، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات(1)، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة(2)، فلا تيأس من روح الله(3). ولا تقنط من رحمته(4).
فواصل فعلَ الخيرات، والاستزادة من الطاعات، وأتبع السيئةَ الحسنة تمحُها(5).
وكَونُك كنت لم تبلغ الحلم أثناء ارتكاب هذه الجريمة يهون كثيرًا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ»: وذكر منهن «عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ»(6). فلا أثر لما ذكرت على عقد الزواج.
وتذكر قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
ولله در الشافعي إذ يقول:
وَلَـمَّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي
جَعَلتُ الرَجَّا مِنِّي لِعَفوِكَ سُلَّما

تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمَّا قَرَنتُهُ
بِعَفوِكَ رَبِّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما(7)

والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].

(2) قال تعالى: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } [المدثر: 56].

(3) قال تعالى: { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

(4) قال تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

(5) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (5/ 153) حديث (21392)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في معاشرة الناس» حديث (1987) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

(6) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 101) حديث (24747)، وأبو داود في كتاب «الحدود» باب «في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا» حديث (4398)، والنسائي في كتاب «الطلاق» باب «من لا يقع طلاقه من الأزواج» حديث (3432)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المعتوه والصغير والنائم» حديث (2041)، والحاكم في «مستدركه» (2/ 67) حديث (2350)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (1/ 91 – 92) وقال: «قال صاحب الإمام: هو أقوى إسنادًا».

(7) هذا الأبيات للشافعي رضي الله عنه، قالها في علته التي مات فيها كما ذكر ابن الجوزي في «المنتظم» (10/138)، وهو من بحر الطويل.

 

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend