يمين الطلاق المعلق على وجود المعقود عليها مع زوجها بغير خلوة

أنا بنت مكتوب كتابها حديثًا، وبقي ثلاثة أشهر على الزفاف، ووالدي مسافر خارج مصر، ووالدتي عندها صيدلية، ومشغولة بها طوال الوقت.
وأنا أقوم بجميع متطلبات منزلي أنا وزوجي وحدنا، وقبل أن يسافر والدي سألته: «إزاي أنا هقدر أروح لوحدي وأستلم الأثاث لما يجي، والمطبخ، وأتابع بقية تشطيب الشقة من نقاشة وغيره، وأنا معيش حد يروح معايا غير زوجي أو أخته أو والده أو والدته؟!».
فطلب مني والدي ألا أذهب للشقة إلا أن يكون هناك أحد معي، ولما سألته: «لو معيش حد، ومحدش فاضي، هعمل إيه، هكون مضطرة إني أتواجد مع زوجي في منزلي في وجود العمال أو وجود حد من أهله».
فاشتد غضب والدي من أنني أجادل معه، وحلف على والدتي يمينَ طلاق بأني لن أذهب إلا وهي معي.
مع العلم أن لي أختًا مخطوبة، وتتواجد في الشقة مع خطيبها والعمال، ووالدي لم يمنعها من ذلك، لكن معي حجته أني مكتوب كتابي.
وقد وعدني والدي قبل أن يسافر بأنه سيوفر لي شخصًا يكون معي، لكنه الآن يسأل عن كفارة يمين طلاقه على والدتي في حالة كنت مضطرة أن أذهب وحدي؟ وهل يجوز لوالدي أصلًا أن يحلف عليَّ وأنا متزوجة؟ أرجو الرد سريعًا. وشكرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فسأبدأ من النقطة الأخيرة: لا علاقة بين حلفه وكونك متزوجة أو غير متزوجة، فالرجل له ولاية على بيته (زوجته وأولاده) ما داموا في رعايته وهو القائم على النفقة عليهم، وحقٌّ عليك الطاعة له في غير معصية، وتبقى مسئوليته عن الحلف حتى ولو انتقلتِ إلى بيت زوجك، وإن كانت طاعة زوجك في هذه الحالة مقدمة على طاعة أبيك عند التعارض.
وما كان ينبغي لوالدك أن يضيق عليك هذا التضييق وأنت حِل لزوجك، ولقاؤك به في غير خلوة، بل في حضور جمهرة من العمال، ومن أجل التجهيز للعرس، وإن كنتُ أتفهم موقف الوالد المغترب في المحافظة على ابنته، مخافةَ أن يحدث معاشرة زوجية بينها وبين زوجها قبل إعلان الزفاف، ولو حدث انفصال لا قدَّر الله تكون هناك سوءة اجتماعية، ويضعه ويضع ابنته في موضع الريبة والقيل والقال رغم كونها متزوجة.
وما كان ينبغي لوالدك أن يتساهل مع أختك المخطوبة هذا التساهل، وإن كان هذا في غير خلوة؛ فقد كان عليه أن يكون تحوُّطه للمخطوبة فقط أشدَّ من تحوُّطه لمن عقد عليها زوجها وصارت حلًّا له.
أما بالنسبة لكفارة اليمين فتعتمد على صيغة اليمين، وعلى مقصود والدك منه:
فإن كان قد اتخذ صيغة الحلف كما لو قال مثلًا: «عليه الطلاق ألا تذهبي مع خطيبك إلا ووالدتك معك» وكان مقصوده المنع من الذهاب فقط وليس طلاق الوالدة عند المخالفة، فهذه يمين مُكفَّرة في الأظهر، يخرج من تبعتها عند الاقتضاء بكفارة يمين؛ ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ [المائدة: 89]
أما إذا اتخذ صيغة اليمين المعلقة، كما لو قال مثلًا: «إن خرجت مع زوجك بدون والدتك كانت والدتك طالقًا». فهذا طلاق معلق، وجماهير أهل العلم على وقوعه عند وقوع المعلق عليه، فتلزمه طلقة عند المخالفة، وله مراجعة زوجته ما دامت في العدة، إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، أما إذا كانت الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره(1).
وأرى يا بنيتي أن تصبري نفسك على موقف والدك، برًّا به، ورعاية لحرمة الحياة الزوجية بينه وبين أمك، ومن يتصبَّر يصبره الله(2)، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2]، وتلك فترة طارئة، وستنقضي وتصبح مجرد ذكرى.
ونسأل الله لكما التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) قال تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون﴾ [البقرة: 230].

(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «الاستعفاف عن المسألة» حديث (1469)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «فضل التعفف والصبر» حديث (1053)، من حديث أبي سعيد الخدري: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله ﷺ فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده فقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend