وسوسة بالحلف بالطلاق

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى.
إما أن أُجَن أو أنتحر من كثرة ما بي. ارحموني لوجه الله، ما لي إلا الله ثم أنتم.
إخواني، أقسم بالله العظيم ثلاثًا، أنا مبتلى بحديث النفس في الحلف بالطلاق، وقرأت أن: مَن حدَّث نفسَه وشكَّ: هل طلَّق أم لا- تُعتبر وساوس.
أنا أصبحت إن قرأت جريدة يخطر ببالي الحلف بالطلاق، وإن قرأت كلمة أضطر إلى أن أحفظها ليلًا وأجمعها لكي أقرأها.
وأنا صاحب محل ألعاب، وصرت أكره البيع والشراء، وأي شيء يخطر ببالي، أبيع السلعة بسعر معين وإلا حلفت بالطلاق أن أبيعها بيني وبين نفسي بسعر معين، بيعت أم لا.
إن حلفت بالله تراودني داخل نفسي: حلفت بالطلاق إن وعدت نفسي بفعل شيء معين معناه حلفت بالطلاق، إن ذهبت أُصلِّي تراودني شكوك وأفكار في الطلاق، إن تخاصمت مع زوجتي لا أستطيع أن أرد عليها بأي كلمة، يخطر ببالي طلاق الكنايات وأضطر إلى أن أسكت ولا أستطيع أن أدافع عن نفسي.
الحاصل أن الحلف بالطلاق أجده في كل شيء، إن غضبت من شخص أجد الحلف بالطلاق ألا أكلمه مرة أخرى وأقاطعه للأبد حتى وإن كان أحد أقاربي. وصرت حريصًا جدًّا، أصبحت حياتي كلها معلقة بالحلف بالطلاق قولًا أو فعلًا.
وقد استفتيت في أمور عدة فقيل لي: لا تلفت إلى هذه الوساوس، طَنِّشها. فكيف أطنشها؟ انصحوني.
أحس بأن زوجتي بانت مني، وأنا أحبها من كثرة التعليق، هل هو مرض مني أم ابتلاء؟ صرت لا أميز هل بإرادتي أم لا؟ أموالي ذهبت كلها بسبب تعليق الطلاق.
أنا أصلي ركعتين لله، وأصبحت مواظبًا على هذا إلى الآن، هل أخالف ذلك؟ وإن ضاع شيء مني هل أحلف بالطلاق لكي أجده إن لم أجده؟ رحماك يا ربي، وأحس بخوف لابد من أن أوفي بهذا التعليق، أقسم بالله هذا هو الحادث لي.
وأيضًا إلى الآن نويت أن أرسب أحد طلابي؛ لأني حلفت داخلي بالطلاق ألا ينجح بسبب هذه الأفكار الوسخة؛ بسبب غيابه. والرجل أصبح يترجاني يريد النجاح، وأنا رافض؛ لأني جاءتني فكرة وحلفت بالطلاق ألا ينجح. وأحس بأني ظلمته، ماذا أفعل: هل أنتحر، أم ماذا؟
أخي صُدِم بسيارته، وأثناء الحادث خطر ببالي أنني حلفت بالطلاق أن أسامح الرجل فسامحته، مع أن الغلط منه خوفًا من الطلاق.
أصبحت حياتي محرقة، هل أقص لساني؟! ويا ليتني أجد صوتًا واضحًا أو إرادة حتى أميز نيتي: هل حلفت بإرادة أم لا؟ وهل كل ما ذكرت وساوس؟
وأنا أقرأ أن عدم الالتفات هو الأفضل، فهل معنى ذلك أن أخالف هذا الحلف، مثلًا الحلف على رسوب الرجل، أخالف الوساوس وأنجحه؟ وحلفي أن أصلي ركعتين يوميًّا، هل أخالفها وأصلي على قدر استطاعتي؟
وأيضًا كنت أصوم الأيام البيض، فخفت أن يخطر ببالي أن أحلف بالطلاق على أن أصومها طوال الدهر فقطعتها خوفًا من ذلك، ومواقف كثيرة لا أكاد أن أصدق نفسي.
هل معنى عدم الالتفات هو تطنيشها وأن أخالف، أي العكس لكل حدث أو موقف يصادفني؟ وما هو أفضل علاج؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يمسح عليك يا بني بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية.
يا بني، إن التديُّنَ الحق لا يكون أبدًا مصدرًا للشقاء، وإنما نحن الذين نُشقي أنفسنا بما نتصوره تدينًا وهو محض وسواس وابتلاء.
اطرح يا بني هذه الوساوس جانبًا، ولا تلتفت إليها ولا تبنِ عليها، واعلم أن الأصل في ذمتك البراءة، ولا تشغل ذمتك بمثل هذه الوساوس، بل إذا تلفظت بالطلاق فعلًا فلا يقع على مثلك الطلاق إلا إذا اطمأنت نفسك إليه، وقصدت حقيقة إليه، لأنك في حالة إغلاق تستغرقك طوال الوقت، و«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (1)، ولا يزال لسانك يا بني رطبًا بذكر الله(2).
والزم ما ذكرته لك، ولا تكثر التنقل بين المفتين؛ فإن هذا من أسباب استفحال هذه العلة.
ومرة أخرى: أسأل الله أن يمسح عليك يا بني بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403)، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046)، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (4/ 188) حديث (17716)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في فضل الذكر» حديث (3375) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله». وقال الترمذي: «هذا حديث حسن».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend