وسواس في أمر الطلاق

عندي سؤالان بارك الله فيك:
السؤال الأول: طلبت مبلغًا من بنت عمي 10 آلاف ريال، وكانت أختي الوسيط بيننا بحكم أنه لا يجوز محادثة بنت عمي، فكان ردَّها الموافقة مرة والرفض مرة وأخيرًا كان أسلوب أختي هداها الله لم أفهمه. فقلت في نفسي: خلاص لا أريدها. وخطرت فكرة وراودتني أني حلفت بالطلاق، وأنا لم أحلف وكان هذا بيني وبين نفسي، لدرجة أني إن قلتُ: والله. على فعل عملٍ معين أو ترك عملٍ معين تُراودني هذه الفكرة، الحلف بالطلاق، فقلت في نفسي: هذه وساوس. وأخذت المبلغ منها ولكن لم أتصرف فيه حتى أسأل أهل العلم الثقات. فهل عليَّ شيء؟
سؤالي الثاني أيضًا (مشابه الأول) كنت أريد الزواج من بنت يتيمة الأب ولكن قدَّر الله وما شاء فعل، لم يتم الزواج، وكنت أحدث نفسي أن أدفع لها مبلغ قرابة 7 آلاف دفعةً واحدةً و10 آلاف بنظام كل شهر ألف، وكان بيني وبين نفسي، فراودتني الأفكارُ الخبيثة كأني حلفت بالطلاق بيني وبين نفسي، وأنا لا أريد وكاره لهذه الأفكار التي أتعبتني وورطني بأشياء كثيرة، فدفعت المبلغ 7000 ريال كاش، وبقيت الأقساط منتظم بها خوفًا من الطلاق. فهل عليَّ شيءٌ إن لم أنتظم مثلًا؟ علمًا بأنها كلها شكوك ووساوس وخوف. فما الحكم في هذين الحالتين بارك الله فيك؟ علمًا بأنه راودتني فكرة بأن أصوم ثلاثة أيام، وها أنا بدأت بالصيام خوفًا من وقوع الطلاق. وشكرًا لكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الطلاق لا يقع بمجرد حديث النفس، فإن الله تجاوزَ لهذه الأمة عما حدثت به نفسها، ما لم تعمل به، أو تتكلم به(1).
ولا يقع الطلاق بمجرد الشك؛ فإن الأصلَ المستيقن هو وجودُ النكاح، واليقين لا يزول بالشك، فمجرد الشكِّ في الطلاق لا يُلتفت إليه، ولا تنحلُّ به عقدة النكاح، خاصةً لمن كان في مثل حالتك، وإن كان هذا الأمر قاعدة عامة.
وأخيرًا فإن من كان في مثل حالتك فهو مستغلق عليه طوال الوقت لقوة الدافع وضعف المانع، فلا يقع طلاقه ولو تلفظ به صريحًا، إلا إذا كان ذلك عن قصد وطمأنينة لحديث: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقِ»(2).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ثم إن المبتلى بوسواس لا يقعُ طلاقُه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مُغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقِ»(3)، فلا يقع منه طلاق إذا لم يُرِده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغمًا عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق».
فاطرح هذا الوسواس جانبًا، فلا تلتفت إليه ولا تعوِّل عليه، وإن تمادى بك الأمر فالتمس التداوي عند ثقات الأطباء، ونسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية.
أما المبلغَ الذي نويت دفعه لليتيمة فهذا في ذاته عمل صالح، ولا حرج في الاستمرار فيه باعتباره قربة من القربات، وليس باعتباره دينًا يلزمك الوفاء به، وإلا طلقت عليك زوجتك. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269) ، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403) ، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193) ، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046) ، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403) ، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193) ، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046) ، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend