وسواس الطلاق بكتابة ما يوهمه في رسالة على الهاتف المحمول

كنت البارحة بالليل أُودِع مبلغًا في ماكينة الصرَّاف قُرب بنك، وأريد التحويل لشخصٍ، ووقت عملية الإيداع كانت زوجتي بارك الله فيها أرسلت لي رسالة عن طريق «الواتس أب» تخبرني بأنها زارت أباها بالمستشفى وسوف يتم خروجُه غدًا.
ووقت الإيداع قرأت رسالتها وأردت أن أكتب لها «إن شاء الله» فكتبت كلمة: «انن طالل» وأقسم بجلالة الله أني كنت أريد أن أكتب كلمة: «إن شاء الله» فكتبت كلمة «انن طالل» فقط، ولم أكتب كلمة «أنتي طالق» بحكم كبر أصبعي الإبهام وحرف الطَّاء قريب من كلمة حرف الشين فضغطت أصبعي الطاء بدل الشين، ولو أردتُ المواصلة والاستمرار لأصبحت كلمة: «انن طالله» وليس «إن شاء الله» فلما رأيت الكلمة كُتِبت بالخطأ مسحتها وأرسلت كلمة «إن شاء الله» لها.
فقلت لنفسي: إن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْـخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه»(1). فهل كلمة «انن طالل» لها علاقة بالطلاق أم ليس لها علاقة بالطلاق لا من قريب ولا من بعيد؟

___________________

(1) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2801)، وابن حبان في «صحيحه» (16/ 202) حديث (7219)، والبيهقي في «الكبرى» (7/ 356) حديث (14871)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه». وقال البيهقي: «جوَّد إسناده بِشر بن بكر وهو من الثقات».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يقعُ الطلاق بشيء مما ذكرت، بل أخاف أن يكون تصوُّرك أن الشريعة تُوقع الطلاق بمثل ذلك من سوء الظن بالشريعة، وسوء الظن بالله عز وجل، فإن الله أرحم بعباده من آبائهم ومن أمهاتهم(1)، وما يريد ليجعل عليهم في الدين من حرج(2).
وقد ذكرت في رسالتك أن الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(3)، وأنت ما حدثت نفسك بالطلاق ابتداءً، عندما كتبت هذه الكلمة، بل هو محضُ الخطأ الذي قال الله تعالى فيه: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، وثبت في الصَّحيح أن الله تعالى قال: «قَدْ فَعَلْتُ» (4). فكيف يقع الطلاق بذلك؟!
فأخرِج نفسك يا بنيَّ من هذه المحرقة، وأحسن الظن بربك وبشريعته. زادك الله هدًى وتقًى. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «رحمة الولد وتقبيله ومعانقته» حديث (5999)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه» حديث (2754)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبيٍ؛ فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْـمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قلنا: لا والله؛ وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للَّـه أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».

(2) قال تعالى: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق» حديث (126) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend