مَن حلف يمين طلاق ونسي نيته(1)

أرجوك يا شيخ، أنا تعبت، ونفسيتي متعبة جدًّا.
يا شيخ، أنا عقدت قراني ولم أدخل بزوجتي بعدُ، وقبل خمسة أشهر كنت أتناقش مع أمي وغضبت وقلت: عليَّ بالطلاق كذا وكذا. ولكن نسيت بماذا حلفت، ونسيت النية، ولكن أغلب ظني بأن نيتي هي منع أمي من التكلم معي في هذا الموضوع؟
أفدني يا شيخ؛ لأنني نسيت بماذا حلفت؟ وأنا أعيش حالة صعبة ووساوس أتعبتني؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن مَن حلف على يمين ونسي نيته فيها فإنه يرجع في ذلك إلى بساط الحال، أي إلى سبب اليمين وما هيَّجها؛ فإنه يُطلق على السبب الباعث على اليمين عند المالكية «البساط». ويكون هذا هو الحكم على النية التي نسيها؛ فإن هذا هو المقدور في حاله، ولا تكليف إلا في حدود الوُسع والطاقة؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
قال ابنُ عبد البرِّ: «والأصل في هذا الباب مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية نظر إلى بساط قصته، ومَن أثاره على الحلف، ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته». «الكافي في فقه أهل المدينة»(1).
وقال ابن قدامة: «ويرجع في الأيمان إلى النية، فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيَّجها»(2).
وبناء على ذلك فإن كانت الخصومة بينك وبين أمك، ولم تكن زوجتك طرفًا فيها، وأردت منع نفسك أو غيرك من فِعل أمرٍ أو الحض عليه، فهذه الملابسات ترجح أن هذه يمين مكفرة لا يقصد بها الطلاق، وإنما يقصد بها الحض والمنع، وأنت تصرح فتقول: إن أغلب ظني أنني لم أُرِدِ الطلاقَ، وإنما أردتُ منع أمي من التحدث معي في هذا الموضوع.
ويكفي غلبة الظن في مثل هذه الحالات لتبني عليه موقفك؛ لأن هذا هو المقدور، ولا يكلف الله نفسًا إلا وُسعها، ولعله أن يكون درسًا بليغًا لك فلا تُجرِ كلمة الطلاق على لسانك بعد اليوم حتى لا تُدخِل نفسك في مثل هذه المسالك الوَعْرة.
وبعد ذلك لا مانع إن غلبتك الوساوس أن تُعيد عقد الزواج مرة أخرى على سبيل الاحتياط، وهو أمرٌ لا يكلفك إلا التفاهم مع أصهارك على ذلك بالمعروف. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) «التمهيد» (1/197).

(2) «المغني» (9/564-566).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend