موسوس يعلم أن حديث طلاقه لزوجته حديث نفس لكنه غير مقتنع

أنا شخص متزوِّج منذ عدة سنوات، ورزقني الله بالذرية والحمد لله، ولكني مريضٌ بالوسواس القهري في الطلاق، وأشعر بشيء يُلِحُّ عليَّ حتى أقول اللفظ الصريح للطلاق، أو أحلف بالطلاق، ولكني أمسك نفسي على قدر استطاعتي، وأتمكن والحمد لله بمجهود شاقٍّ من عدم قول مثل هذه الألفاظ أو الحلف.
ولكن رغم ذلك أتوهم أني ربما قلت أو حلفت، ويصيبني الوسواس والشك بسبب ذلك على الرغم من تأكدي من أنني لم أنطق أيًّا من هذه الكلمات.
واليوم توهمت أني حلفت بالطلاق، وأنا أعرف أنه لا يعتبر هذا اليمين إلا إذا حرك الشخص بها لسانه، أو سمع نفسه وهو يقول. وعلى الرغم من تأكدي بنسبة 100% أني لم أحلف، ولكني أردت إثبات ذلك لنفسي، عن طريق نطق الحروف وتحريك لساني بها، ثم مقارنة ذلك بما حدث أثناء التوهم.
فظللت أُردِّد حروف كلمة (عليَّ) فقط، وأثناء ترديدي ذلك خشيت أن أنطق كلمة (الطلاق) دون أن أشعر؛ حيث قفزت هذه الكلمة إلى ذهني وشعرت أنني سوف أنطقها، ولكني مسكت نفسي مسرعًا، لم أذكر كلمة (الطلاق) أبدًا، ولكن بعدها أتاني الوسواس أنني ربما قلت هذه الكلمة.
وأنا الآن في حلقة مفرغة، كيف أقنع نفسي أني لم أنطق مثل هذه الكلمات، سواء عندما لحت عليَّ نفسي أن أذكرها، أو في المرة الثانية عندما حاولت تحريك لساني بكلمة (علي).
أنا متعب جدًّا يا دكتور ومكتئب وحزين، ولا أعرف كيف أقنع نفسي أني لم أنطق مثل هذه الكلمات، كما أني لم أعد أستمتع بالعبادة كما كنت، فاليوم تقريبًا ضاع أكثر من نصفه بسبب التفكير في هذه الحلقة المفرغة، وأتعب زوجتي وأبنائي معي.
أرجو من حضرتك أن تفتيني فيما يحدث لي، وتدلني على حلٍّ فيما أنا فيه، وكيف يمكن لي أن أقنع نفسي أني لم أقل مثل هذه الكلمات؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يقع الطلاق يا بنيَّ بالتخيلات ولا بأحاديث النفس، فإن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1).
بل من كان في مثل حالتك يا بني لا يُحاسب على الطلاق، ولو نطق به نطقًا صريحًا فصيحًا؛ إلا إذا قصد إليه عن رضًا وطمـأنينة، لأنه مُستغلَق عليه طوال الوقت، و«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»(2).
فاطرح الوساوس يا بُني ولا تحاول تجريب الكلمات، فهذا من التنطُّع والتكلف الذي لم يتعبَّدْنا الله تعالى به، وأحسِن الظنَّ بربك وبدينه، واعلم أن دينَ الله يسرٌ(3). وأن الله لم يجعل على عباده في الدين من حرج(4). وأن المشقة تجلب التيسير. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403)، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046)، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

(3) ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «الدين يسر» حديث (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْـجَةِ».

(4) قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend