موسوس يعلق طلاق زوجته على عمل أشياء في نفسه

أنا رجل مريض بالشَّكِّ، ومريض بالكلام بيني وبين نفسي بحديث النفس، أحب أن أقوم بعمل الخير، وبالأخص في رمضان، فأخذت «ثلاجة فريزر» مستعملة لأضع فيها شيئًا وأتصدق به، وعندما رجعت البيت ووجدتها لم تعمل قلت لنفسي ولا أذكر هل حلفت بالطلاق أم لا، وإنما فكرة بيني وبين نفسي، فقلت: لن تكلفني أكثر من 250 ريالًا مع التصليح، ولم أذكر أني تلفظت بذلك، فذهبت وأصلحتها وكلفتني قرابة 220 أقل من 250، فقلت: الحمد لله، وكانت تعمل جيدًا، وعندما رجعت للبيت وقمت بتشغيلها فلم تكن بالصورة المطلوبة، وإنما رجعت كما كانت، هل إن تصدقتُ بها على جمعية خيرية وإخبارهم بالعطل الذي بها يكون أفضل؟ فهل أُعَدُّ حانثًا؟ مع العلم لم أتذكر أني حلفتُ بالطلاق، وإنما هي فكرة أتت برأسي، وبحكم الشكوك والوسواس راودتني شكوك بذلك.
وسؤالي الآخر: اتصلت عليَّ أم زوجتي، وقالت: لو سمحت خذ لي ثلاجة. تريدها للحم، فأخذت ثلاجة لها، وقلت لها: «استخدميها إلى بكرة إن ما عجبتك راح آخذ واحدة بدلًا منها، وآخذ القديمة وأعطيها الفرق». فحلفت بالطلاق بيني وبين نفسي أني آخذ واحدة لها في حالة أن الأولى لم تعجبها.
وجاء اليوم الثاني فسألتها فقالت: تصدقت بها، واستحييت أن أخبرك بأنها لم تعجبني. فخفت من حديث النفس، ومع العلم أشك في التلفظ بذلك وأغلب ظني مع حديث النفس والشك هو حديث نفسي لشراء واحدة أخرى لها، فهل أفكر من باب الأحوط أم ماذا أم حديث النفس والشك به لا يؤاخذ به المسلم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلم يظهر لي وجه حنث في الحالة الأولى؛ لأنك قلت لن تكلفني أكثر من 250 ريالًا، وهذا هو الذي تحقق في الواقع، فقد كلفتك 220 ريالًا، فكان الأمر كما قدرْتَ، فأين وجه الحنث في ذلك؟!
هذا فضلًا عن كونك لست واثقًا من الحلف، فربما كان ذلك وهمًا من الأوهام أو وسواسًا من الوساوس، والطلاق لا يقع بمثل ذلك؛ لأن العصمة الزوجية الثابتة بيقين لا تزول بالشكِّ في الطلاق وفقًا لقاعدة اليقين لا يزول بالشك.
أما الحالة الثانية فحديث النفس لا ينعقد به الطلاق، فإن الله قد تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1). بل إن كنت مريضًا بالوسواس كما تقول فلا يقع منك الطلاق، ولو تلفظت به إلا إذا قصدت إليه عن رضًا وطمأنينة؛ لأنك مُستغلق عليك طوال الوقت بسبب الوساوس، و«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»(2).
فهوِّن عليك وأخرج نفسك من هذه المحرقة، واعرض نفسك على الأطباء المتخصصين إن لزم الأمر، فـ«فَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»(3).
أسأل الله أن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403)، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046)، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 413) حديث (3922)، وابن ماجه في كتاب «الطب» باب «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» حديث (3438) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 50) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend