أرجو من حضرتك يا دكتور صلاح أن تقرأ رسالتي للنهاية؛ حيث إنني في غاية الألم، وأرجو من حضرتك أن تجيبني إجابة شافيةً عما حدث لي هذا:
أنا مبتلى بالوسواس القهري في الطلاق وفي الخوف من قول كلام الكفر، وقد تمكَّن مني الوسواس بصورة شديدة، واليوم وأنا في نهاية فترة نومي، عندما اقتربت من ميعاد استيقاظي، كنت كل 3 أو 5 دقائق تقريبًا أنام وأستيقظ مرة أخرى، وفي إحدى هذه المرات لا أعلم هل كنت نائمًا أم كنت في بداية النوم لا أعلم، وجدتُ نفسي أحلم أنني أقول هذه الجملة: «قلنا طلاق قلنا يقع» ولا أعرف إذا كانت حلمًا أو تخريفًا أثناء النوم أو قلتها بالفعل أثناء هذه الغفوة، ولكني استيقظت بعدها وأنا شديد الحزن والخوف والقلق والوسوسة، ثم بعد ذلك ظللت أفكر في هذه الجملة وأتفحصها حتى أعرف إن كنت قد قلتها بالفعل يقع بسببها شيء أو لا، وأثناء ذلك شعرت أنني ربما قلتها مرة أخرى ولكن بهذه الصيغة: «قلنا طلاق قلنا ماشي»، فأبدلت بكلمة «يقع» كلمة أخرى ربما كانت كلمة «ماشي». ولكني استبدلت هذه الكلمة عن طريق الخطأ بسبب السرحان أثناء ذلك، كما أنني كنت أفكر فيها وأتفحصها فقط، ولم أكن أفكر في الطلاق أو أقصد إنشاءه، ولم أنوه، كما أنني كنت في حالة ضيق شديد بسبب ما أصابني من وسواس.
وفي مرة أخرى أثناء إحدى هذه الغفوات حدث معي مثل ما سبق، ولكن مع إحدى كلمات الكفر التي لا أريد أن أذكرها، ولكن هذه الكلمة حدثت لي أثناء الغفوة فقط، ولم أحاول أن أتفحصها، فهل إذا كنت قلت هذه الجملة أثناء هذه الغفوة «قلنا طلاق قلنا يقع» هل يقع بسببها شيء؟
إذا كنت قلتها بهذه الصيغة «قلنا طلاق قلنا ماشي» أثناء التفكير فيها وتفحصها حتى أعلم إذا ما كان يقع بسببها شيء أم لا فهل يقع بسبب ذلك شيء؟ كلمة الكفر التي جاءتني أيضًا أثناء إحدى هذه الغفوات هل يقع بسببها شيء؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يقع عليك شيء بما ذكرت، لا طلاق ولا ردة؛ لأنك مستغلق عليك طوال الوقت بسبب الوساوس، فلا يقع طلاقك ولو صرحت به إلا إذا قصدت إليه عن رضًا وطمأنينة؛ لأنه «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»(1).
ولا يلزمك شيء من الكفر؛ لأن هذه الخطرات تهجم عليك، وأنت كاره لها وساخط منها ومقاوم لها ما استطعت، ومقاومتك لها وبغضك لها دليل على صريح الإيمان والحمد لله، ففي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: «أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قالوا: نعم. قال: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»(2). ويفهم والمقصود من الحديث أن كراهية هذه الوساوس وبغضها والنفور منها هو صريح الإيمان، وليس المراد أن وجودها هو صريح الإيمان، قال النووي: «معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا»(3).
فلا تُقِمْ لهذه الوساوس وزنًا، ولا تُلْقِ لها بالًا، ولا تعتقد أنك قد جئت بما يوجب عليك أن تجدِّدَ إيمانك، بل يكفي طردها، والاستعاذة بالله منها، ومقاومتها، ليثبت لك صريح الإيمان الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها» حديث (132).
(3) «شرح النووي على صحيح مسلم» (2/ 154).