قول الزوج لزوجته في يمين طلاق: اعتبريها طلقة

حلف عليَّ زوجي يمينَ طلاق معلق بألا أتكلم في موضوع معين، وكان يقصد في نفس الليلة، ولم أكسر اليمين، ولم أتحدث في نفس الليلة، وبعد حوالي ثلاثة أيام تصالحنا وتكلمنا سويًّا في الموضوع، وانتهت المشكلة، ولكن بعد حوالي سنة وسوس لي الشيطان أن اليمينَ قد وقع، فسألت زوجي هل وقع طلاقًا؟ أجابني لم يقع شيء، أنت لم تتحدثي في الموضوع ليلتها، ولو وقع اليمين أنا أصلًا نيتي التهديد، ولم أقصد الطلاق أبدًا، فكررت عليه الكلام مرات عديدة حتى انفجر ذات مرة، وقال لي: «خلاص اعتبريها طلقة، وأنا عاشرتك بعدها يبقى أرجعتك لعصمتي».
وكررت الكلام مرة أخرى في يوم آخر، فقال لي: «خلاص آدي طلقة، يتبقى لك اثنان». وضحك بعدها. مع العلم أن نيته عندما قال هذا الكلام ليس فيها طلاق، وإنما قال هذا الكلام لكي أسكت.
السؤال هنا: هل وقع الطلاق بلفظ: «اعتبريها طلقة»؟ وأيضًا لفظ: «آدي طلقة يتبقى لك اثنان»؟ هل هذا طلاق هزل؛ لأنه كان يمزح معي وضحك بعدها ولم تكن نيته إيقاع الطلاق؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأكثر ما آلمني في سؤالك هو إلحاحُك، وسعيك في خراب بيتك بيدك، لقد كنت كمن يحاول أن يُطلق الرصاص على ساقه ليعقر نفسه، لقد قال لك: «اسكتي». وكان يسعك الصمت، ولكن أبيت إلا الإلحاحَ، وقد جربتِ ثورَتَه، وكيف انفجر، وقال لك: «اعتبريها طلقة».
ثم عاودك شيطانك، وأبى عليك إلا أن تُلحِّي عليه، لتسمعي منه ما يسوءُك للمرة الثانية.
أما ضحكه فلا ينفعك ولا ينفعه بشيء؛ لأن الطلاق هزلهُ جِدٌّ كما أن جِدَّه جِدٌّ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُـهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ»(1).
ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: «كنت فيه لاعبًا هازلًا» لا ينفعه قوله هذا.
قال الخطابي: «اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذٌ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبًا أو هازلًا أو لم أَنْوه طلاقًا… أو ما أشبه ذلك من الأمور»(2).
كما لا ينفعه قوله: «ولو وقع اليمين أنا أصلًا نيتي التهديد ولم أقصد الطلاق أبدًا»؛ لأن صريح الطلاق لا تنفع فيه دعوى تخلُّفِ القصد أو النية، فصريح الطلاق لا يُسأل فيه صاحبه عن نيته.
والذي يظهر أن المرة الأولى كانت مجرَّد افتراض منه لإسكاتك، فهذا هو ظاهر الصيغة، وبساط حالها، فلا تحتسب إن كان الأمر كما ذكرت. أما المرة الثانية فظاهرها يُنبئ عن توجهه إلى إيقاع الطلاق، فهذه هي التي تُحتسب، ويتبقى لك طلقتان، ولعلها أن تكون لك درسًا بليغًا وموجعًا؛ لكي ترشدي، ولا ترجعي إلى مثل هذا الحمق أو الوسوسة. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على الهزل» حديث (2194)، والترمذي في كتاب «الطلاق» باب «ما جاء في الجد والهزل في الطلاق» حديث (1184)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «من طلق أو نكح أو راجع لاعبًا» حديث (2039)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حديث حسن». وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» حديث (3027).

(2) انظر: «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (6/188).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend