طلاق الزوجة التي لا تصون العشرة

أثناء زيارتي لخالتي في العيد، أتى ابن خالتي الأوسط ودخل ليسلم علينا، وبمجرد خروجه انخرطت خالتي في البكاء، ففزعت من ذلك وسألتها: ما بكِ؟ قالت لي: إن ابنها هذا متزوج منذ سنتين ونصف تقريبًا، وعنده فتاة عمرها سنة ونصف، وطفل عمره ثلاثة أشهر، ومنذ أول يوم في زواجه وهو في مشاكل مع زوجته، ولا يمرُّ أكثر من خمسة أو ستة أشهر إلا وتغضب لدى أهلها.
وقالت لي: إن تلك الزوجة لا تبرُّها أيضًا، ولا تسأل عنها، أي خالتي، وإنها دائمًا ما تفعل المشاكل مع ابن خالتي حتى لا يزور أمه وإخوته ولا يبرهم، حتى إنه كان يأتي لهم دون علمها خشية أن يحدث شجار بينهم، وأنه لو قال لها إنه ذاهبٌ لزيارتهم مع أنهم داخل نفس المدينة تقريبًا تقوم تلك الزوجة بافتعال أيِّ شيءٍ أو مرض أو تعب لها أو أيٍّ من أبنائها كي تمنعه من الذهاب إليهم. وفي كل مرة يحدث غضبٌ منها يتدخل الأهل للصلح بينهما، ويعودا على أن يفتحا صفحة جديدة، ولكن يتجدد الغضب وتترك المنزل ويتجدد التدخل من الأهل. إلى أن وجدت ابنها يدخل عليها قبل العيد بأسبوعٍ وهو يحمل حقيبةَ ملابسه وكلَّ شيء يخصه كان متواجدًا في شقته، فسألته: ماذا حدث؟ قال لها: إنه قرَّر أن يُطلِّق زوجتَه. فقالت له: اصبر من أجل أبنائك. فقال لها: يا أمي، أنا أصبر على أيِّ شيءٍ إلا إهانة الكرامة، وأنا كرامتي أصبحت في الأرض بسبب طول صبري من أجل أبنائي.
وقال لها: إنه يصبر على كلامها الجارح له دائمًا بأنه ليس برجل، وإنه دائمًا ينزل من نظرها في كل شيء، وأنه لا يصرف عليها كما ينبغي، ولا يصرف على أبنائها.
فقلت لها: هل هذا يحدث بالفعل؟ فوجدتُها تُقسم على المصحف أنه يصرف على بيته أكثرَ من ألفين ونصف في الشهر ما بين ملبسٍ ومأكل وبامبرز أطفال وإيجار شقة وفواتير الماء والكهرباء والتليفون، كل هذا وهي ترى أنه لا يصرف عليها، وما زاد الطين بلةً أنه اشترى لها طقم ملابس كاملًا قبل العيد فأجبرَتْه أن يُرجعه وقالت له: «كل قرش من نقودك حرام عليَّ، أنت نفسك وعيشتك وأكلك وشربك متحرمين عليَّ». فقال لها: هل مالي حرام؟ قالت: «لأ، إنت نفسك متحرم عليَّ، لو كان بإيدي أطلقك كنت طلقتك وارتحت منك».
وقالت لي خالتي أيضًا: «كلام في سرك يا بنتي، بتقول له: إنت مش راجل، ومش عارف تمتعني» تقصد العلاقة الحميمة.
فقلت لها: أَوَليس لها منه أبناء؟ فقالت: نعم، ولكنها تقصد أن تجرحه، وتقول له: إنها ستُخبر أهلها، وهذا الشيء وصمة عار للرجل في الريف، وابني يقول: إنها هي التي تمنعه عنها، وتجرحه، وتأبى دائمًا أن تؤتيه حقه الشرعي، وعندما قالت له ذلك الكلام قرَّر أن يترك بيته وقال: لا عيش لي معها أبدًا بعد الذي قالته ذلك.
المهم، قلت لها: يا خالتي، هل طلقها؟ قالت: يوم الجمعة القادم سيذهب لأبيها لإتمام الطلاق.
وأنا أتيت اليوم لعرض تلك المشكلة لأبتغي منك الحلول، فأنا أودُّ أن أذهب لزوجة ابن خالتي وأجلس معها وأُحدِّثَها، عسى أن تعدل عما تفعله وتعود الحياة لهذا البيت قبل الخراب. ولكنني أخشى من ثلاثة أشياء، وهي:
1- أخشى أن أجلس معها فتحرجني، حيث إنهم يقولون عنها: إنها متعجرفة وفظة، وستقول: إن زوجها يُخرج أسرارَ البيت للأغراب، مع أنه لم يقل لي شيئًا، بل التي قالت لي هي خالتي.
2- بحديثي مع أبناء خالتي البنات وجدتهن جميعًا يتمنين أن يطلق أخوهم زوجتَه دون أدنى رغبة في التدخل للإصلاح، قائلات إنهن تَعِبْن منها ومن فظاظتها، وتعبن لحال أخيهم الذي يُرثَى له نتيجةً لطيبته ومحاولته عدم هدم بيته والحفاظ على أبنائه، وكل هذا يأتي على حساب شبابه وصحته وماله.
3- أكثر ما أخشاه هو ابن خالتي نفسه، أخشى أن يحسبني من المتدخلين في شئونه الخاصة، حيث سمعته يقول لخالتي: يا أمي، هذه إنسانة لم تصن العشرة، ولم تحافظ على الأبناء، ودائمًا ما تتهمني في شرفي وعفتي، وتحرجني أمام أهلها بالقول والفعل، وأنا طرقت جميع الأبواب من أجل أبنائي ولكنها توصد كل باب أفتحه، وتقول: إنها تُنذر نذرًا لله لو طلَّقها كي تستريح منه ومن عيشته المقرفة بالنسبة لها.
بالله عليكم أنا قد وضعت بين يديك الموضوع كله بحذافيره، وأريد أن تشاركني فيه، هل أذهب للنصح والإرشاد وأتدخل، أم لا؟ هل تستحق تلك الزوجة بعد كل الذي فعلته أن تطلق؟ وأن يلقى أبناؤها الصغار هذا المصير؟
أنا متعبة جدًّا، فهذا الأمر يؤرقني جدًّا، وأخشى أن يتكرر في أي بيت من بيوت المسلمين، فهل أترك تلك الإنسانة تهدم بيتها وتشتت أسرتها؟
أشيروا عليَّ بالله عليكم، ماذا تفعلون لو كنتم مكاني؟ وأعتذر للإطالة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن صحت هذه المقدمات التي ذكرت فقد يكون الطلاق هو المخرج من هذه المحنة، وإن الذي شرع الزواج يا بنيتي قد شرع الطلاق، وهو القائل: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 130]، والتي لا تصون عشرة زوجها على هذا النحو ليست جديرةً باستدامة عشرته لها.
ولكن، إبراءً للذمة ومعذرة إلى الله عز وجل لا بأس بالتدخل، على أن يكون ذلك بالتنسيق مع الأهل؛ حتى لا يؤدي هذا التدخل إلى نقيض ما قُصد به.
وبالنسبة للمحاذير التي ذكرت ننصحك بما يلي:
• اجتهدي في الترفق بها في النصيحة؛ فقد أرسل الله من هو خيرٌ منك إلى من هو أسوأ منها، أرسل موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون، فقال لهما: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 43، 44].
• نسِّقي مع أولاد خالتك، واجتهدي في إقناعهم أن هذا التدخل إنما هو الفرصة الأخيرة التي تستريح بعدها ضمائرنا جميعًا، وليعلم ربنا وهو العليم أننا لم نترك بابًا من أبواب الخير والإصلاح واستنقاذ مستقبل الأطفال إلا طرقناه.
• نسِّقي كذلك مع ابن خالتك نفسه، وأعتقد أن لديك قدرةً على الإقناع الهادئ، وأن شخصيته التي حملته على الصبر طوال هذه الفترة رعاية لأولاده لن تستعلي على النصيحة ولن تتكبر عن قبولها إن رأى فيها خيرًا.
• وأخيرًا لعلك تعرضين عليها إن تحقق هذا التدخل أن يلجئا إلى التحكيم، كما قال ربي جل وعلا: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35].
• استخيري الله، واعرضي هذا التدخل على الزوج وأهله؛ فإن طابت نفوسهم فتلك علامة الإذن؛ فإن التيسيرَ علامة الإذن، وإن وجدتِ الأبوابَ موصدةً، والطرقَ وَعْرةً، والنفوس قد بلغ بها السيلُ الزُّبَى، ولم يتقبل الفكرة منهم أحدٌ، فخَلِّي بينهم وبين قدر الله عز وجل، والله أرحم بأولادهم منا جميعًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend