قبل أن أخطبَ زوجتي كانت تجمعنا صداقة قويَّة جدًّا ثم تطورت لرغبة في الزواج، وقبل أن أخطبها وأتقدم إلى أهلها قلت لها أن هناك بعض الأسرار في حياتي أرغب أن أقولها لها حتى يتسنى لها التفكير قبل الارتباط، وحتى أبدأ معها حياتي على نور وصراط مستقيم، وبالفعل صارحتها بكل شيء فعلته قبل الزواج، وقلت لها أن سري معها، وبالفعل هي استجابت لرغبتي وقالت لي أن سري في بئر عظيم، وأنها لا يهمها ما فات، وأننا سنبدأ صفحة جديدة وهكذا.
و بالفعل تمت الخطبة ثم الزواج، والآن حدثت بيني وبينها مشاكل كبيرة، فوجدتها ترسل لي رسائل تهددنى فيها بأنها ستفضح أمري أمام أهلى وأهلها ولكل الناس، وستجعلني أمشي واضعًا رأسي في الأرض، وبأنها ستجعلني ذو منظر سيء أمام الأهل والناس، وبأنها ستقول كل شيء حكيته لها بل وستزيد عليه، فما كان مني إلا أن ذكرتها بأن هذه الفضيحة ستكون على مدار الزمن والذين سيصيبهم الضرر منها أولادنا، خاصة الفتيات، وبأنني قد أمنتها على سر أسرار حياتي وهي بذلك غير أمينة عليه.
فما كان منها إلا أن بدأت تقول بعض الكلمات للأهل التي توحي بأنني كنت على علاقات آثمة بسيدات وبنات قبل الزواج، وقالت لي أنها ستحكي كل التفاصيل لهم، وأنا أقسم بالله قد تبتُ وندمت على كل ما فعلت، وغلطتي الوحيدة أني كشفت ستر ربي لإمرأة كنت أحسبها ستكون الستر والغطاء لي في الدنيا.
و الآن ندمي الأكبر على فعلتي تلك، وأنا أصبحت لا أئتمن هذه الإنسانة على حياتي، ومن كثرة مشاكلي معها ومن كثرة تهديدها لي فكرت في أن أطلقها وأرتاح، فهل لو طلقتها سأكون قد فعلت الصواب أم الخطأ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد أخطأت يا بني أشد الخطأ عندما هتكت ستر الله عليك، فما كان ينبغي لك ذلك؛ فإن من أصاب شيئًا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عليه(1). فإن الناس يعيرون ولا يغيرون وإن الله يغير ولا يعير(2)، ولكن قد جرى القلم بما هوكائن، فالحمد لله على كل حال.
ولكن لا يهولَنَّك الأمر، فإن الناس لن يصدقوا دعواها عليك عندما تثيرها في أجواء خصومة وبمناسبة طلاق، ويعرفون أن أجواءً الخصومة تحمل كثيرًا ممن لا خلاق لهم على الانتقام والتشفِّي.
وأرجو أن يجعل الله لك من كيدها إن صَدَقْتَ الضراعةَ إليه فرجًا مخرجًا.
ويبقى الخيار لك في أن تستبقي هذه المرأة وتجتهد في استصلاح أحوالها، أو أن تفارقها ويبدِّلك الله خيرًا منها، فهذا أمر تتزاحم فيه يا بنيَّ المصالح والمفاسد فاستخر الله عز وجل، واستشر أقربَ الناس إليك وأعرفهم بأحوالك عن كثب من أهل الصلاح والرأي.
وأسأل الله أن يُلهمك رشدك، وأن يأخذ بناصيتك إلى ما يحبُّه ويرضاه. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/ 825) حديث (1508) مرسلًا عن زيد بن أسلم رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله».
(2) أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/ 953) موقوفًا من قول عائشة رضي الله عنها.