طلاق الحائض

سيدي، لقد قرأت في كتاب «زبدة التفسير» للشيخ د.محمد بن سليمان الأشقر- تفسير العشر الأخير، قرأت في تفسير ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: 1]«والمراد أن يطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع»، ثم قال: «أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله ﷺ فتغيظ رسول الله ﷺ ثم قال: «لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا»، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء». ويا سيدي بناء على حسابات فترات الحيض والطهر عند من طلقتها تبين- والله كما أكدت هي- أنها كانت حائضًا عندما نطقت بكلمة الطلاق للمرة الثالثة. فهل بناء على تفسير تلك الآية ونص الحديث لم تقع الطلقة الثالثة؟ وإن كانت أجابتكم بنعم فما يجب على شرعًا لمراجعتها؟ جزاكم الله ألف خير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد اتَّفق أهلُ العلم على تحريم طلاق الحائض، واختلفوا في وقوعه، فذهب جمهورُهم إلى وقوعه(1)، ومن أدلَّتهم على ذلك قولُه ﷺ وقد تغيَّظ على ابن عمر لما طلَّق زوجتَه وهي حائضٌ، فقال لعمر: «لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطلِّقْها طاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطلَّقَ لَـهَا النِّسَاءُ»»(2)، وهذا صريحٌ في أنها قد احتُسبت طلقة.
وخالف في ذلك بعضُ أهل العلم فأفتَوْا بعدم وقوعه لأدِلَّةٍ كثيرة، منها أنه على خلاف السُّنة، وكلُّ ما أُحدث في الدِّين على خلاف السُّنة فهو رَدٌّ، أي باطل ومردود؛ لقوله ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(3)، وفي الباب أدِلَّة أخرى.
وناقشوا استدلال الجمهور بأنه قد جاء في إحدى روايات هذا الحديث قولُ ابن عمر: فردَّها عليَّ ولم يَرَها شيئًا(4).
وهذا هو الذي عليه أكابر أهل العلم من مقدمي الدعوة السلفية وفقهائها في واقعنا المعاصر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
وهذا هو ما عليه العمل في بلاد الحرمين، فقد جاء في «فتاوى اللجنة الدائمة» (20/ 58): الطلاق البدعي أنواع، منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض، أو نفاس، أو في طهر مسَّها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع. انتهى.
وقال الشيخ ابن باز: شرع الله أن تُطلَّق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها، فهذا هو الطلاق الشرعي، فإذا طلَّقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول الله جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ [الطلاق: 1] والمعنى: طاهرات من غير جماع، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة. أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع، أو حوامل. هذا هو الطلاق للعدة. انتهى من «فتاوى الطلاق» ص44.
على كل حال نحن نميل إلى القول بعدم وقوعه تيسيرًا على الأمة وتوسعة عليها واستنقاذًا لأسرها من التمزق، فإن ظننت أنك تقيم حدود الله معها وأنك عازم عزمًا أكيدًا على عدم معاودة هذا العبث بالحرمات الزوجية فاستغفر الله جل وعلا مما بدر منك من إثم الطلاق البدعي، ولا تعد إليه أبدًا وأمسك عليك زوجك واتق الله فيها، واعلم أن هذه هي الفرصة الأخيرة في حياتكما فإن فرطت فيها فليس لك إليها بعدها من سبيل. والله تعالى أعلى واعلم .

____________________

(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (6/16-17): «وإذا طلق امرأته وهي حائض فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها».

وجاء في «المنتقى» من كتب المالكية (4/2-5): «(باب ما يجوز إيقاعه من الطلاق) الطلاق على ثلاثة أضرب: طلاق سنة وطلاق بدعة وطلاق لا يوصف بسنة ولا ببدعة قال: ومعنى قولنا طلاق سنة أنه أوقع على الوجه الذي ورد الشرع بإيقاعه عليه، ومعنى وصفنا بأنه للبدعة أنه أوقع على غير الوجه الذي ورد الشرع بإيقاعه عليه».
وجاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (4/38-39): «(فصل: طلاق السنة واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة وإلا فبدعي).
جاء في «حاشيتي قليوبي وعميرة» عند الشافعية (3/348-349): « فصل في الطلاق السني والبدعي وسيأتي في كلامه المراد بهما. قوله: (الطلاق) خرج الفسخ وعتق المستفرشة فلا توصف بسنة ولا بدعة. قوله: (ويحرم البدعي) وينفذ».
وجاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (8/448): «قوله (وإن طلق المدخول بها في حيضتها، أو طهر أصابها فيه: فهو طلاق بدعة محرم. ويقع). الصحيح من المذهب: أن طلاقها في حيضها أو طهر أصابها فيه: محرم، ويقع. نص عليهما. وعليه الأصحاب. وقال الشيخ تقي الدين، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله: لا يقع الطلاق فيهما. قال الشيخ تقي الدين: اختار طائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله: عدم الوقوع في الطلاق المحرم. وقال أيضًا: ظاهر كلام ابن أبي موسى: أن طلاق المجامعة مكروه، وطلاق الحائض محرم».

(2) أخرجه البخاري (5251).

(3) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الصلح» باب «إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود» حديث (2697)، ومسلم في كتاب «الأقضية» باب «نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور» حديث (1718) من حديث عائشة.

(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في طلاق السنة» حديث (2185)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2185).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend