أنا شخص عاقد على فتاة متدينة، وقد استخرت الله عندما تقدَّمت لها وهي بالمثل قد استخارت الله، والحمد لله وفقنا الله للبعض. وبعد أن عقدت قراني بفترة أصابني وسواس في أمر الطلاق واستمرَّ معي أشهُرًا، فسألت أحد المشايخ فقال لي: ما دام أنك استخرت الله في أمر زواجك فلا تخَف لم يقع منك شيء، وهذه وساوس شيطان، فأنا يا شيخ مع كثرة وساوسي لم أعد أعرف هل وقع مني أم لم يقع.
سؤالي هل عندما أجلس مع نفسي وأتذكر أني استخرت الله في زوجتي يكفي في اطمئنان قلبي أنه لم يقع طلاق؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما قاله لك الشيخ- عفا الله عنه- غير دقيق. إذ إن أمور الطلاق لا يتعامل معها بهذا المنطق، ولكن توجد قواعد فقهية تضبط وقوع الطلاق وعدم وقوعه، وليس منها أن الزواج كان عقب استخارة أم لم يكن كذلك.
وصفوة القول في أمرك أيها الموفق أن الطلاق لا يقع بمجرد حديثِ النفس؛ فإن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها، ما لم تعمل به، أو تتكلم به(1). ولا يقع كذلك بمجرَّد الشك؛ فإن الأصل المستيقن هو وجود النكاح، واليقين لا يزول بالشك، فمجرد الشَّكِّ في الطلاق لا يلتفت إليه، ولا تنحلُّ به عقدة النكاح، خاصة لمن كان في مثل حالتك.
وأمثل طريقة للتعامل مع الوسواس أن تطرحه وألا تلتفت إليه، وأن تعلم أنه من الشيطان ليحزنك وليكدر عليك عيشك، فعاملة بنقيض قصده ولا تُصغ إليه، ولا تُقم له وزنًا، واضرع إلى ربك أن يُعيذك من همزه ووسوسته وكيده، وربك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269) ، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.