يا شيخنا الفاضل، كيف حالك؟ أرجو أن تكون دائمًا بخير، أرجوك يا شيخنا، أفتنا في هذه المسألة، أكرمك الله.
هناك ولد وبنت أقارب، تقابلا على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وتعرَّفا على بعضهما، وعرَفَ كلاهما الآخر، وكانا يتحدثان مع بعضهما مثل الإخوة في الله، لا فرق بينهما، ويتحدثان على علم يا شيخ من أم هذا الولد ووالدة هذه الفتاة، وأخت الولد وأخو الفتاة يعلمان أنهما يتحدثان مع بعضهما، كلُّ هؤلاء يعلمون هذا، ومع العلم يا شيخنا أنهما يتحدثان في أمور الدنيا والدين، ومع العلم أيضًا أن هذا الحديث يراه الأخ والأم إن أحبوا هذا، لقراءته وتصفحه، هل هذا حرام يا شيخنا أم حلال؟ أفتنا أكرمك الله، وجزاك خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا تعرِفُ الشريعةُ خصوصية علاقة بين رجل وامرأة خارج إطار الزوجيَّةِ أو المحرمية، ولا بأس بالتخاطُبِ بين الجنسين بالمعروف، إذا وُجِدَ المقتضي، وأُمِنت الفتنة والريبة.
أما أن تَنشأ صداقةٌ على هذا النحو، وتُرْفع الكُلْفة بينهما، ويُفْضي كلٌّ منهما إلى الآخر بدخيلة نفسه، على النحو الذي يكون بين الزوجين أو المحارم، فلا يصلُحُ.
نعم إن الفضاء المفتوح الذي يتحدثان فيه يمثل نوعًا من صمامات الأمان، ولكن للرقيب خلوته، وللشيطان مساربه الخفية إلى النفس، وصلوات الله على من قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»(1).
وإنني لأتساءل: إذا كان كلٌّ منهما مناسبًا للآخر، لم لا يتَّجِهان برعاية الأهل إلى خطبةٍ؟! ويشرعان في ترسيم هذه العلاقة بخُطًى متزنة تحت رعاية الأهل وسمعهم وبصرِهِم؟! علمًا بأن الخطبة لا تُحل حرامًا في العلاقة بين المخطوبين، ولا تُبيح إلا النظر المتبادل بينهما في البداية، ليتعرف كل منهما على مدى مناسبة الآخر له، ثم الحديث بالمعروف في غير خلوة ولا ريبة.
ولقد بحث مجمَعُ فقهاءِ الشريعة بأمريكا في دورته التدريبية حول نوازل المرأة خارج ديار الإسلام قضية «المرأة والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك وتويتر)»، وقرَّر في هذه القضية ما يلي:
المرأة والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك والتويتر):
• لا تعرِفُ الشريعة خصوصية علاقة بين رجل وامرأة خارج إطار الزوجية أو المحرمية.
• لا حرج في التخاطب بين الجنسين بالمعروف، إذا وُجد المقتضِي، وأُمِنت الفتنة والريبة، فلا يكون التخاطُب لمجرَّد الثرثرة وتزجية الأوقات، وإنما حيث توجد الدواعي الشرعية.
• الضابط في اعتبار المحادثة بالمعروف أن كل ما يُستحيا منه ويُكره أن يطَّلع عليه الناس فهو من المنكر الذي يجب تجنُّبُه، وهو ضابط بالنسبة لذوي المروءة من الناس؛ لأن سواهم قد يجاهِرُ بذلك، ولا يرى به حرجًا.
كما بحث المجمع كذلك قضية «العلاقة بين الجنسين» في مؤتمره المنعقد بمونتريال بكندا تحت عنوان: نوازل الناشئة خارج ديار الإسلام، وقرَّر في ذلك ما يلي:
ثانيًا: حول العلاقة بين الجنسين:
• لا يجوزُ تبادُلُ المشاعر العاطفية بين الجنسين قبل الزواج؛ لأنه وسيلة إلى الفتنة، وذريعة إلى الوقوع في الفاحشة، خصوصًا في زمننا الذي ضعُفَ فيه سلطان الدِّين على النفوس، وفَسَدت الأخلاق، وانحدرت القيم الفاضلة، ولا بأس بالتحدُّثِ مع المرأة الأجنبية بالمعروف في غير خلوة ولا ريبة، إذا وجد مقتضٍ لذلك من ضرورة أو حاجة معتبرة، سواء أكانت دينية أم دنيوية.
• لا حرج في التخاطب بين الجنسين بالمعروف عند وجود المقتضي وانتفاء الريبة، ويوصي بإشراك أحد من الأولياء في التراسُلِ دفعًا لشُبْهة الخلوة، أما مجرد الدردشة وتمضية الأوقات فهو من ذرائع الفتنة، وخطوات الشيطان.
ونسأل الله أن يأخذ بنواصيهما إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يحملهما في أحْمَدِ الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.
————————–
(1) متفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «ما يتقى من شؤم المرأة» حديث (5096)، ومسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء» حديث (2741)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.