أنا فتاةٌ أبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، وقبل شهرين تمَّ عقدُ زواجي على شابٍّ يكبرني بإحدى عشرة سنة، ولكننا لم نتزوَّج بعدُ.
وقد أحببتُه حبًّا كبيرًا جدًّا، بل حبًّا خياليًّا، كما أنه كان يقول بأنه يُحبني، لكنه كان يُخوِّنني ويشكُّ فيَّ ويضربني ويتلفَّظ أبذأ الألفاظ فيَّ وفي أهلي، ولم أحتمل إهانةً أكثرَ من هذه الإهانة؛ فقلت لأهلي عن بعض المشاكل الصغيرة والكبيرة منها بهدف الإصلاح، فحدثت بينهم وبينه مشاكلُ وتمَّ إعطاؤه فرصتين ولكنه لم يستغلهما، وفي آخر مشكلةٍ تجاوز حدودَه مع أبي وشتمه على مسمعه، وعرف أهلي أنه يضربني ويُهين كرامتي.
والآن أهلي وأعمامي وأخوالي يُريدون مني أن أتركه، بل ويُجبرونني ويُخيِّرونني بينهم وبينه، ولكنني أحبُّه حبًّا شديدًا ولا أستطيع فِراقَه ولا أريد أن أتركه.
قلتُ لأهلي أن يعطوني آخرَ فرصةٍ، خصوصًا لأنه يُحبني، وقد وعد وحلف بأيمانٍ طائلة أنه سوف يصونني ويحميني، ولن يسمحَ لأيِّ شيءٍ أن يُفرِّق بيننا، ولن يضربَني مرة أخرى، ولن يُكرِّر أيَّ شيءٍ من الذي فعله، وأنه سيداوم على صلاته وقراءة القرآن مُجدَّدًا، وأنه مُستعدٌّ لفعل أيِّ شيءٍ وأيِّ اعتذارٍ كي يُصلِحَ ما فعله ويُطيِّب النُّفوسَ.
لكن أعمامي يقولون: إن كان أبي ليس لديه كرامةٌ فهم لهم كرامةٌ ولن يسمحوا له أن يُتمَّ الإصلاح.
أنا لا أتوقَّف عن دعاء ربِّي أن نستمرَّ أنا وخطيبي بسعادةٍ وهناء، بكيت وبكيتُ ولكن أهلي يُريدون إجباري على أن أتركه. فأرجوكم أنا أحبُّه حبًّا شديدًا ولا أريد أن أتركه أبدًا ولا أريد إهانةَ أهلي، وخطيبي لم يتخلَّ عني ومُستعدٌّ للإصلاح بأيِّ طريقةٍ. فأنا أُريد حلًّا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن إهانةَ زوجِك لوالدك من المآثم الكبار؛ فإن سُبابَ المسلم فسوقٌ(1)، وليس منا من لم يُوقِّر كبيرَنا ويرحم صغيرَنا(2)، وعليه أن يُبادر على الفور إلى التَّوبة إلى الله عز و جل من ذلك، وأن يُبادر إلى الاعتذار لوالدك وتطييب خاطره، وألا يألو في ذلك جهدًا؛ فإن هذا أولُ الطَّريق لجَبْر ما انكسر وإصلاح ما فَسَد!
ورغم تَفَهُّمي لإرغام أهلك لك على تَرْكِكِ لزوجكِ ثأرًا لكرامتهم المُهدرة، إلا أنه لا ينبغي لهم الإصرارُ على ذلك وهم يرون تمسُّكَكِ بزوجك وتمسُّكَ زوجك بك وحرصكما على استمرار الحياة معًا وإعطاء فرصة أخيرة لإصلاح ما فسد وجَبْر ما كُسر؛ فإن الطَّلاقَ أبغضُ الحلال إلى الله(3)، ومن يسعى للتفريق بين المرء وزوجه يكون عملُه من جنس عمل السحرة الذين ذَكَر الله عنهم في كتابه أنهم يُفرِّقون بين المرء وزوجه(4).
فأسأل اللهَ أن يشرح صدورَهم لإقالة هذه العثرة وإعطاء هذه الفرصة، وأن يُوفِّق زوجَك للوفاء بما قطعه على نفسه من العهد أن يصون لك الوُّدَّ وأن يتقيَ الله في علاقته بك، وأن يصرف عنكما يا بُنيَّتي كَيْدَ الشَّيطان ووسوسته. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «ما ينهى من السباب واللعن» حديث (6044)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان قول النبي ﷺ: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» حديث (64)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «سِبَابُ الْـمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».
(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (5/323) حديث (22807)، والحاكم في «مستدركه» (1/211) حديث (421)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَـمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِـمِنَا حَقَّهُ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/14) وقال: «رواه أحمد وإسناده حسن»، وكذا ذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/434) وقال: «أخرجه أحمد والحاكم وإسناده حسن».
(3) أخرجه مسلم (2178).
(4) ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102].