بين الوسواس وكناية الطلاق في قراءة قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } [الفلق: 2]

شيخنا الفاضل بارك الله فيكَ، الوساوس اشتدت عليَّ، وأريد مِن حضرتك توضيحًا كي أدفع تلك الوساوس.
بدأت في جمع الأدعية والأذكار التي أستعين بها على طرد الشَّيطان، ومنها المعوِّذتين، ولكن بينما أقرأ سورة «الفلق» وأقول: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق: 2]. الوسواس جاء بأن زوجتي تندرج ضمن مخلوقات الله، فقلت في نفسي: لا شيء في الاستعاذة من شرور الخلق جميعًا بما فيهم زوجتي؛ لأني قرأت دعاءً عن النبي الكريم ﷺ، دعاء: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ»(1). وكلام النبيِّ ﷺ صريحٌ: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ».
سؤالي: فهل التعوذ بالله من شرور خلقه جميعًا ومن بينهم شرور الزَّوْجة يقع به شيء؟ ولقد قرأت فتوى لأحد الشيوخ على «النت» وذكر كلامًا هذا نصُّه: فإن الألفاظ المستعملة في الطَّلاق على ثلاثة أضرُب:
الأول: الطَّلاق الصَّريح، كقوله: أنت طالق، فهذا يقع به الطَّلاق، ولو لم يَنْوِه.
الثَّاني: الطَّلاق بالكناية، كقوله: الحقي بأهلك ونحوه، فهذا يقع به الطَّلاق إذا نواه.
الثالث: الطَّلاق بلفظ أجنبي لا صريح ولا كناية، كقوله: اسقني الماء ونحوه، فهذا لا يقع به الطَّلاق ولو نواه هذا هو مذهب الجمهور(2). انتهى كلام الشيخ.
سؤالي: هل آيات القرآنِ كلُّها- لا أسأل عن سورة أو آية بعينها بل أسال عن سور وآيات القرآن كله- والدُّعاء (سواء الدُّعاء كان مأثورًا عن النبيِّ أم لا)، والأذكار مثل أذكار الأحوال وأذكار الصباح والمساء- تعتبر من القِسم الثالث الذي أشار الشيخُ إليه؟ أي أنها لفظ أجنبي لا صريح ولا كناية أي لا يقع الطَّلاق به أبدًا سواء نوى الزَّوْج أم لم ينوِ على رأي الجمهور؟
أستحلفك بالله لا تهمل رسالتي؛ لأن الوسواس أرهقني، أريد جوابًا، لا أريد أن أترك الذِّكر وأهجر كتاب الله لكن الوسواس فعلًا أرهقني، وإجابتك ستعينني على دفع الوساوس، لست قادرًا على أن أفتي نفسي؛ لأني رغم قراءتي في كتب الفقه وأتابع فتاوى حضرتك إلا أنني لست أهلًا للفتوى.

_____________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «النكاح» باب «في جامع النكاح» حديث (2160)، وابن ماجه في كتاب «التجارات» باب «شراء الرقيق» حديث (2252) من حديث عبد الله بن عمرو ب، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2160).

(2)جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (3/260-261): «لو نوى بقوله: اسقني الماء. الطلاق فإنه لا يقع».وجاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (8/485): «(فأما ما لا يدل على الطلاق، نحو «كلي» و «اشربي» و «اقعدي» و«اقربي» و« بارك الله عليك» و« أنت مليحة» أو «قبيحة» فلا يقع بها طلاق، وإن نواه)».

وجاء في «تحفة المحتاج» من كتب الشافعية (8/13-15): «(قوله: فيهما) أي كلي واشربي (قوله: لا فيك) فليس بكناية؛ لأن معناه بارك الله لي فيك، وهو يشعر برغبته فيها مغني وشرح الروض، فلا يقع به طلاق، وإن نواه».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأمر على ما قال الشيخ، ولكن لا يصلح إطلاق القول بأن آيات القرآن جميعًا من القسم الثالث الذي لا يقع به شيء ولو نواه، إن في كتاب الله عز و جل  قوله تعالى: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ [الكهف: 78]، فإن قال هذه الآية لزوجته ونوى بها طلاقًا كانت طلاقًا، ومثل ذلك ظاهر.
أما ما ذكرتَه من الاستعاذة بالله من شر ما خلق فإن هذا لا يتصور أن يقصد به طلاق فضلًا عن أن يقع به، وإنما هو من جنس تزيين الشَّيطان لك يا بنيَّ؛ ليبغض إليك الدُّعاء والاستعاذة، فاحذره على نفسك.
اخرج من هذه الوساوس، اطرحها جانبًا، لا تُلق لها بالًا، واعلم أن اللهَ لم يفصل شرائعه لعباده لتكون مصدر شقائهم، بل جعل القرآن هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين(1).
أسأل الله أن يمسحَ عليك بيمينه الشَّافية، وأن يجمعَ لك بين الأجر والعافية. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

___________

(1) قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend