بين الوساوس وكنايات الطلاق في الأدعية والأذكار

أخي العزيز الدكتور صلاح الصاوي، أسال الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يبارك لنا فيك ويحفظك من كل سوء وأن يحسن ختامنا وختامك، وأن يجمعنا وإياك في الجنَّة في صحبة خير المرسلين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام.
أرجو أن يتسع صدرك لرسالتي فأنا بحاجة لرأي فضيلتك: الموضوع أني ابتليت بوسواس رهيب في كنايات الطَّلاق، هذا الوسواس وهذه الأفكار تطاردني في كلِّ يوم تقريبًا وتشغلني، حتى بدأت أهمل في عملي، وأصبحت قليل الكلام مع أصدقائي وحريصًا في الكلام، وأتتبع كل كلمة تخرج مني، وأراقب كلامي حتى لا أتلفظ بهذه الكنايات، أحببت أن أعرض على حضرتك ما أواجهه حتى تؤكد لي أن هذه وساوس فأبتعد عنها:
وسواس الأرقام: أنا أعمل معلمًا وأحيانًا وأثناء الشرح أقول للطلاب: افتحوا صفحة كذا، وأذكر رقم الصفحة، أو الدرس رقم كذا وأذكر رقم الدرس، فيأتيني الوسواس ويطاردني، وأبدأ في التوقف وأجدد النِّيَّة بأني أقصد رقم السُّؤال ولا أقصد الطَّلاق، حتى عندما أكون جالسًا مع أصحابي في «الكافيتريا» بعد العمل ونلعب «الطاولة» (وهذه اللعبة فيها أرقام) تطاردني الوساوس، وأضطر لعدم نطق الأرقام.
وسواس الدُّعاء: هذه أكثر الوساوس التي تؤلمني، فقد بدأ الشَّيطان يوسوس لي بأن الأدعية والألفاظ التي أدعو بها هي كنايات الطَّلاق، وسأضرب لحضرتك مثلًا للتوضيح وهو أنه عند خروجي من المنزل أقول: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يأتيني الوسواس بأن هذا الدُّعاء يمكن أن يكونَ كناية من كنايات الطَّلاق، وبالتالي لابُدَّ أن أحدد: توكلت على الله في أي شيء؟ وأبدأ قبل التلفظ بالدُّعاء بأن أقول لنفسي: أتوكل على الله في الرزق، وفي الذرية، وفي الشفاء من الوسواس. لكن الموضوع مرهق جدًّا يا شيخنا.
أيضًا الدُّعاء: اللَّهُمَّ إني عبدك وابن عبدك… إلخ. فعندما أقول: ماضٍ فيَّ حكمك، عدل في قضاؤك. يأتي الوسواس بأن ذلك الطَّلاق.
لساني يعجز عن وصف ما أتعرض له من وسواس، يا شيخ، الوسواس وصل بي لدرجةٍ حتى الاستغفار لا أستطيع أن أقول: أستغفر الله. قبل أن أبدأ في مجاهدة الوسواس وأحاول دفعه لكن بتعب وجهد.
ووصل بي الأمر إلى أني أتجنب بعض الأدعية خوفًا من أن تكونَ كلماتها فيها كنايات، تخيل يا دكتور صلاح، وأنا ساجد وأنا أدعو يأتيني الوسواس وأثناء قراءتي لفاتحة الكتاب في الصَّلاة. وضع غريب وقد تتهمني بالجنون لكن الوسواس يطاردني في الصَّلاة والدُّعاء والذِّكر، وحتى وأنا في الفصل أشرح الدروس للطلاب، فأنا معلم للغة الإنكليزية، وأقوم بتدريس مادة المحادَثة لتعليم الطلاب كيف يتحدثون الإنكليزية، لذا فمن الطبيعي أن أقوم بترجمة جمل لهم، لكن تبدأ الوساوس إذا جاءت كلمة «يكتب» أو «يتحدث»، ففي يوم كنت أعطي حصة، وكتبت عبارة: «افتحي الباب». وترجمتها بالإنكليزية لأحد الطالبات في الصف وبدأت الوساوس.
المواقف كثيرة لكني أود من حضرتك إبداء رأيك في هذا الموقف:
كنت جالسًا مع أصدقائي في «كافيتريا» ومعنا صديق عادةً نجلس بعد انتهاء العمل نلعب «طاولة»، صديقنا هذا اسمه مصطفى، وهو عادة يهزم الجميع في «الطاولة»، ودائمًا أمزح معه وأقول له: أنا غلبتك وأنا هزمتك في الطاولة. وأذكره بالأيام التي غلبتُه فيها، وفي يوم دار بيننا هذا الحوار:
قال لي: سنلعب الآن لكن لو هزمتك لا تتكلم مرة ثانية.
وهنا خفت من كلمته التي قالها: لا تتكلم ثانية.
فقلت له: لا أتكلم في ماذا بالتحديد؟
فقال لي: لا تتكلم في «الطاولة».
فقلت له: موافق.
وبالفعل صديقي هذا هزمني، لكن بدأ بعدها الوسواس يطاردني بأن هذا طلاق معلق، وبدأ يشككني في نيتي، من أجل هذا أحببت أن أعرف رأي فضيلتك، هل في الحوار الذي دار بيني وبين صديقي شيء من كنايات الطَّلاق مع العلم بأني لعبت بعدها معه.
لقد تعبت بصراحة من الوسواس، ولا أريد أن أفتي نفسي، وأتمنى من حضرتك ألَّا تهمل رسالتي وتقرأها بعناية، وتعطيني إجابة واضحة، خصوصًا في الموقف الذي حصل بيني وبين صديقي كي يطمئن قلبي.
وهذه مجموعة من الأسئلة أرجو منك الإجابة عليها:
* ما رأي حضرتك في الموقف الذي ذكرته «موقف الطاولة»؟
* أريد أن أعرف رأي حضرتك إذا شككت في نيتي عند نطق لفظ أو في موقف، ماذا أفعل؟ هل أتجه وأسأل الشيوخ أم أطرح هذا الشك ولا أفكر فيه؟
* بخصوص الأدعية والأذكار وآيات القرآن هل هي كنايات طلاق؟
* الأسئلة التي أسالها للشيوخ وتحتوي على ألفاظ طلاق، هل يقع بها شيء؟
أعرف أن وقت حضرتك ثمين لكني محتاج لرأي شيخ ثقة حتى أدفع الوسواس.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن جميع ما ذكرت ليس من كنايات الطَّلاق في شيء، ونخُصُّ بالذِّكر ما حدث بينك وبين صديقك، ونؤكد لا علاقة لشيء مما ذكرت بالطَّلاق لا من قريب ولا من بعيد.
وننصحك بترك «الطاولة» حتى وإن كنت لا تلعبها على مالٍ، فقد ورد النهي عن اللعب بالنرد(1).
ونصيحتي لك أن تطرح الشكَّ بالكلية، وأن تعرض نفسك على أحد الأطبَّاء، فقد أمر نبيك ﷺ بالتداوي، وقال: «إِنَّ الله أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»(2). وقال أيضًا: «مَا أَنْزَلَ اللهُ  دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ».
وأسأل الله أن يمسحَ عليك بيمينه الشَّافية، وأن يجمعَ لك بين الأجر والعافية. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في النهي عن اللعب بالنرد» حديث (4938)، وابن ماجه في كتاب «الأدب» باب «اللعب بالنرد» حديث (3762)، والحاكم في «مستدركه» (1/114) حديث (160) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه  أن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (4938).

وأخرج مسلم في كتاب «الشعر» باب «تحريم اللعب بالنردشير» حديث (2260) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه  أن النَّبيَّ ﷺ قال: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَـحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ».

(2)  أخرجه أبو داود في كتاب «الطب» باب «في الأدوية المكروهة» حديث (3874) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، وأخرجه الطبراني في «الكبير» (24/254) حديث (649) من حديث أم الدرداء ل، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/86) وقال: «رواه الطبراني ورجاله ثقات»، وابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/336) وقال: «سنده حسن».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend