أريدك أن تساعدني، أنا إنسانة دخل عليَّ الوسواس ولا يفارقني، فقد أتاني من باب حساس وهو أن زوجي طلقني أكثر من مرة في حالة من العصبية التي يفقد معها الإنسان اتزانه ولا يمتلك نفسه ويندفع للطلاق، فهو عصبي ويثور بسرعة، هذا الأمر حدث من ست سنوات، وانتهى بأن زوجي استفتى بالهاتف، وأنا أرسلت لعدة مشايخ منهم الدكتور خالد المصلح، وتكلمت معهم وقال: إنه حتى لو قصد الطلاق ولكنه كان في عصبية شديدة دفعته للطلاق لا يقع؛ لأن تفكيره مشوَّش وغير سليم من شده العصبية، إلا أن إخواننا بالأردن يقولون: يجب أن تأتي لتأخذي فتوى مقطوعة ومسجلة (أنا من الأردن وأسكن بالخليج) وزوجي لم يمانع، فهو يقول: أنا أعلم أني لا يقع عليَّ الطلاق. الوسواس الآن أصبح يلازمني ويقول لي:
أولًا: إن زوجي كاذب، وهو كان يعي ما يقول على الرغم أني أعلم أنه كان في غضب شديد وقت الحادثة.
ثانيًا: يأتيني الوسواس أنه ممكن أن الطلاق لا يقع إلا إذا فقد الإنسان عقله، وهي الحالة الأولى من الغضب كما يصنفه أهل العلم، على الرغم أن المشايخ أكدوا لي أن الحالة الوسطى أيضًا لا يقع بها الطلاق، وأظل أردد: إنه لا يمكن أن يكونوا مخطئين، وإن الطلاق يقع بهذه الحالة، تخيل! يشككني بآراء علماء الدين الذين أجازوا ذلك.
ثالثًا: بدأ يكرِّهني بزوجي الذي أحبه كثيرًا بكل عيوبه، فهو أبو أبنائي، ويقول لي: يجب أن تطلبي الطلاق حتى لا تعيشي معه بالحرام.
رابعًا: ينتابني وسواس أنه عندما نذهب للأردن يكون رأيهم متشددًا في مسألة الغضب ويوقعوا الطلاق، أنا خائفة ولا أعرف هل هذا وسواس أم لا؟ أجبني يا شيخ، هل هذا وسواس؟ وإن كان كذلك كيف أتخلص منه؟ وهل أصاب ناسًا من قبلي بنفس المدخل (الطلاق)؟
أرجوك يا شيخ وجهني لطريقة أخرج بها من هذا الهم، والله وصلت لدرجة أني لا أريد أن أرى الناس؛ لأني عندما أراهم أسأل نفسي: لماذا أنا حدث لي هذا، وأعيش بهذه الدوامة؟ أعيش وأقول: يمكن أن أكون مطلقة، فكيف أعيش مع هذا الرجل؟ أجبني يا شيخي الفاضل، هل عندي حق بهذا التفكير؟ هل يمكن أن أكون مطلقة؟ أم أنه وسواس؟
ملاحظة: نحن نريد أن نقطع الفتوى من الأردن وليس من هنا؛ لأن المفتين في الأردن قالوا لنا ذلك، فالمذاهب والأحكام مختلفة تمامًا، ولا أريد الخوض بهذا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن المسلم إذا نزلت به نازلة يرفعها إلى من يثق في دينه وعلمه من أهل الفتوى، ثم يصدر عن فتواهم، ولا يكثر التنقل بين المفتين، فإن هذا من أسباب الوسوسة والتشويش.
إن الغضب يا أمَةَ الله مراتب؛ فمبادئ الغضب لا تمنع من وقوع الطلاق، فإن الطلاق ليس حدثًا سعيدًا في حياة الأسر، ولا يكون إلا عن غضب في الأعم الأغلب، ونهايات الغضب التي تغيب الإدراك وتغلق على المرء باب العلم وباب القصد فلا يعلم ما يقول ولا يقصد إليه، لا يقع معها طلاق بلا نزاع؛ لحديث: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقِ». وقد فسر بشدة الغضب، أما أواسط الغضب فهي التي وقع فيها النزاع، ورجح ابن القيم إلحاقها بنهايات الغضب ولم يوقع معها الطلاق(1)، ورجح الجمهور(2) إلحاقها ببداياته فلا تمنع من وقوع الطلاق، وأرى أنه مع وجود هذه الوسوسة وهذا التردد، لا ينبغي أن تكتفوا بالتواصل عن بعد في مثل هذا الأمر الجلل، بل أرى أن تلتقيا بمن تثقون به من المفتين لقاءً مباشرًا يحضره زوجك، وتشرح له القضية، ويناقشكما فيما يود أن يناقشكما فيه، ويستوثق فيما أراد أن يستوثق منه، حتى تكون فتواه على بصيرة، ثم تخرجان من عنده وقد أغلقتما هذا الملف فلا تسألان أحدًا بعده، وتنتهي هذه القصة عند هذا الحد.
ولا يفوتني أن أذكرك بالتوبة إلى الله عز و جل ، والإكثار من الاستغفار، فإنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة. ونسأل الله لنا ولك العافية، والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(2) هذا التقسيم لأنواع الغضب هو تقسيم ابن القيم له كما في «إغاثة اللهفان في حكـم طلاق الغضبان» ص (39).
(3) جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (3/243-245): « الثالث- أي من مراتب الغضب: من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون فهذا محل النظر، والأدلة على عدم نفوذ أقواله. ا هـ. ملخصًا من شرح الغاية الحنبلية، لكن أشار في الغاية إلى مخالفته في الثالث حيث قال: ويقع الطلاق من غضب خلافًا لابن القيم. ا هـ. وهذا الموافق عندنا لما مر في المدهوش».