الوسوسة في نية الطلاق الكنائي

لقد كنت في مُشادَّة كلاميَّة بيني وبين زوجتي حول استمرارها في العمل من عدمه، حيث كنت أُصِرُّ على بقائها بعملها وذلك لحاجتنا لراتبها في الوقت الحالي، فقالت لي: أنت أخذتني من أجل راتبي أليس كذلك؟ فقلت لها: نعم. وأنا فعلًا لم آخذها من أجل راتبها.
فهنا قلتُ لها: سوف تستمرِّين في العمل لحين انتهاء الالتزمات المترتبة علينا. إلا أنها قالت لي: أنت أخذتني لأجل راتبي، وأنا لن أستمر في العمل. هنا قلت لها: وأنا لا أريدك. كردِّ فعلٍ.
وكنت أعلم أن هذا لفظٌ يعني الطَّلاق، إلا أنني لا أدري هل قصدت الطَّلاق أم لا، حيث إنه وبعد خمس دقائق حدَّثت نفسي؛ لأنني موسوس بأمر الطَّلاق، وخوفًا من أن أرهق نفسي في التَّفكير بأمر نيَّتي بعد ذلك، قرَّرتُ أن أتكلَّم معها حتى أقطع الوسوسة، فقلت لها: أنت تعتقدين أنني تزوجتك لأجل راتبك، وأنت لا تريدين الاستمرار في العمل؛ ولأجل ذلك قلت لك: ليس لي رغبة فيك. أي: حاولت أن أفسِّر لماذا قلتُ: «أنا لا أريدك».
إلا أنني منذ ذلك الوقت وأنا في حيرة من أمري، فتارةً تأتيني أفكارٌ بأنني أردت الطَّلاق؛ لأنني كنت أعلم بأن لفظ «لا أريدك» معناه الطَّلاق، وتارةً أخرى أقول: لا، والدَّليل أنني فسَّرت لماذا قلت ذلك بعدما حدَّثتُ نفسي بأمر النِّيَّة. فأرجو بيان حكم حالتي هذه ولكم جزيل الشكر.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن الأصل هو بقاء الحياة الزَّوجيَّة حتى يأتي ما يدلُّ على إنهائها بيقين، وليس بمجرد الوساوس والظُّنون، وكنايات الطَّلاق لا يقع بها الطَّلاق إلا إذا نواه صاحبها.
ولما كُنْتَ لست بجازم بنيَّتك، وقد فسَّرت لها ما قصدته بهذه الكلمة بما يُخرجها عن إرادة الطَّلاق، بالإضافة إلى ما ذكرتَه عن نفسك من أنك مُوسوِسٌ في باب الطَّلاق- فاطرح عنك هذه الوساوس وأمسك عليك زوجك واتَّق الله.
ثم أرجو أن تنظر إلى رغبتها في البقاء في البيت بصورة جادَّةٍ، فهي رغبة مشروعة، ولا ينبغي لك أن تقف في وجهها، ومن يتَّق الله يجعل له مخرجًا(1)؛ إن زوجتك تتمسَّك بالأصل، وهو قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 33]؛ فلا ينبغي لك أن ترغمها قسرًا على خلاف ذلك، وإن خفت عَيْلةً فسوف يُغنيك الله من فضله إن شاء الله(2). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_____________

(1) قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2، 3].

(2) قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾} [التوبة: 28].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend