الوسواس القهري في الطلاق

يا شيخي بعد عقد القران بلحظات جاءت جملة مُلحة في رأسي تقول: هي طالق. عدة مرات دون تلفظ، فظننت أنه وقع طلاق، وأثناء عقد القران ذهبت إلى الإنترنت وبحثت عن فتاوى، ووجدت أن الطلاق لا يقع بحديث النفس، وبعد شهر حدث خلافٌ بيني وبين زوجتي قبل الزفاف فقلت لها: اذهبي من وجهي. وبعدها أخذت أسأل نفسي هل كان في نيتي الطلاق أم لا، وذلك عدة مرات.
وكنت أسير في الشارع وأتحدث إلى نفسي أن الأرض لو تنفجر حتى لا يتم الزفاف، وفجأة وجدت نفسي أتلفظ بهذه الجملة، وبعدها ظننت أنه حدث طلاق، وأخذت أقرأ في فتاوى الطلاق على الإنترنت.
وإذا رنَّت زوجتي على تليفوني وأنا لا أريد أن أرُدَّ، أقول: حتى لا يحدُث طلاق.
وأنا أسير في الشارع أقول لنفسي: إذا مشيت هذا الشارع فإن زوجتي تكون طالقًا، وتأتي ألفاظ الطلاق على لساني وأقاومها.
وظهرت نتيجة الثانوية العامة وأنا مُدرس، عندما أرى نتيجة طالب متفوق حصل على درجة ضعيفة أجد نفسي أقول: هي طالق. على الرغم أنه لا توجد مشاكل مع زوجتي، ثم أسأل نفسي هل تلفظت أم لا.
ولكن لو تيقَّنت من التلفظ ولماذا أقول هذا اللفظ وأنا لا أريد الطلاق، ولماذا هذا اللفظ بالذات؟ يأتي على لساني في ذلك الموقف على الرغم أنه لا توجد بينهم أي علاقة.
والسؤال: هل من آثار للوسوسة جعلتني أتلفظ بهذا اللفظ أثناء قراءة النتيجة؟ وأجد نفسي أحيانًا مجبرًا مكرهًا تحت ضغط وسوسة على التلفظ بالثلاثة أو على المذاهب الأربعة؟ وأثناء الشرب لا أستطيع أن أشرب الماء حيث لي وسواس بالتلفظ القهري؟ حتى أنني أجد نفسي أغيِّر الكلام إلى معنى آخر مثل هي عالق؛ معلقة.
وهي عندما وجدتني كذلك نهرتني وطلبت الطلاق، وحاولت أن تشرب أقراص منومة بكمية كبيرة، وأنا غضبت منها وقررت الذهاب إلى دكتور نفسي، وفي العيادة تخيلتها أمامي على الرغم أنها لم تذهب معي، وقلت: أنت لم تصبري معي، ثم وجدث وجدت نفسي أقول بصوت مسموع: أنت طالق. ثم تنبهت وقلت لنفسي: كيف أتلفظ هذا؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأول ما أنصحك به أن تقتصد في تسوق فتاوى الطلاق عبر الإنترنت، وإنما ترفع نازلتك إلى من تثق في دينه وعلمه ممن يصبر عليك ويستمع إليك، ولا يبغض إليك عبادتك لربك، ولا تُكثر القفز يا بني بين المفتين، خاصة وأنك تعيش حالة من الوسواس القهري، أسأل الله أن يجمع لك فيها بين الأجر والعافية، وبعد ذلك أسوق لك هذه المبادئ التي تحكم نازلتك فتأملها بهدوء بارك الله فيك:
• لا يقع الطلاق بمجرَّد حديث النفس؛ فإن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1).
• لا يقع الطلاق بمجرَّد الشك؛ فإن الأصل المستيقن هو وجود النكاح، واليقين لا يزول بالشك. فمجرد الشَّك في الطلاق لا يلتفت إليه، ولا تنحل به عقدة النكاح، خاصة لمن كان في مثل حالتك، وإن كان هذا الأمر قاعدة عامة.
• وأخيرًا فإن من كان في مثل حالتك فهو مُستغلَق عليه طوال الوقت لقوة الدافع وضعف المانع، فلا يقع طلاقه ولو تلفَّظ به صريحًا، إلا إذا كان ذلك عن قصد وطمأنينة لحديث: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقِ»(2).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ثم إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مُغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقِ»(3)، فلا يقع منه طلاق إذا لم يُرِده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغمًا عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق».
فاطرح هذا الوسواس جانبًا، فلا تلتفت إليه ولا تعوِّل عليه، وإن تمادى بك الأمر فالتمس التداوي عند ثقات الأطباء. ونسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269) ، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403) ، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193) ، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046) ، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403) ، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193) ، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046) ، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend