الفرق بين طالق ومطلقة

شيخي الفاضل، زوجي قال لي أن أعملَ لضيوفه أكلًا فقط، وأنا كنت متعبة فقال لي: إذا لم تعملي أكلًا فأنتِ مُطلَّقة. ولم يقل: طالق. وأنا لم أعمل لهم أكلًا، فهل وقع الطَّلاق؟

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا أعجب من صنيعكما، كم أعجب من استسهاله لقضيَّة الطَّلاق وإجرائها على لسانه لكي يحملك على إطعام ضيوفه! والأصل ألا تُحوجيه إلى ذلك، وأعجب من ذلك إصرارك على مخالفته ومعاندته وقد سمعت هذه الكلمة فلم تلقي لها بالًا ولم تُقيمي لها وزنًا!
ثم يأتي سؤالك اليوم حول الفرق بين طالق ومطلقة، الجواب أنه لا فرق بينهما يا سيدتي، فكلتاهما من صريح الطَّلاق، والطَّلاق الـمُعلَّق إذا قصد به وقوع الطَّلاق عند وقوع الـمُعلَّق عليه فهو طلاقٌ بإجماع المسلمين، وإن لم يقصد به ذلك فهو طلاقٌ كذلك عند جمهورهم(1) والكثرة الكاثرة منهم، فإن كانت الأولى أو الثَّانية فلها رجعةٌ، وإن كانت الثَّالثة فلا تَحِلِّين له من بعدُ حتى تنكحي زوجًا غيره(2)، فاتَّقوا الله وأصلحوا ذاتَ بينِكم، واحرصوا على أن تتعلَّموا مِن دينكم ما يقيكم الوقوع في مثل هذه المضايق.
واعلمي يا سيدتي أن نبيَّك ﷺ قد عظَّم حقَّ الزَّوج فقال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْـمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»(3).
وليعلم زوجُك أنك وصيَّة رسول الله ﷺ عنده(4)، وأنه ﷺ هو القائل: «مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلَّا كَرِيمٌ، وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ»(5).
فاللَّهُمَّ أصلح عبادك هؤلاء ورُدَّهم إليك ردًّا جميلًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

___________________________

(1) جاء في «فتح القدير» من كتب الحنفية (4/113-116): «(وإذا أضافه-أي الطلاق- إلى شرط وقع عقيب الشرط مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق) وهذا بالاتفاق؛ لأن الملك قائم في الحال، والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط».

وجاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (2/231-233): «(باب التعليق) قال رحمه الله (إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته إن زرت فأنت طالق أو مضافا إليه) أي إلى الملك (كإن نكحتك فأنت طالق فيقع بعده) أي يقع الطلاق بعد وجود الشرط وهو الزيارة في الأول والنكاح في الثاني».
وجاء في «حاشية الصاوي» من كتب المالكية (2/576-577): «(ونجز) الطلاق أي وقع ولزم (في الحال إن علق بمستقبل محقق) وقوعه (عقلًا؛ كإن تحيز الجرم) في غد فأنت طالق، (أو: إن لم أجمع بين الضدين) فأنت طالق، إذ الجمع بين الضدين مستحيل عقلًا».
وجاء في «مغني المحتاج» للخطيب الشربيني من كتب الشافعية (4/514-515): «فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما، إذا (علق) الطلاق (بحمل) كقوله: إن كنت حاملًا فأنت طالق (فإن كان) بها (حمل ظاهر وقع) الطلاق في الحال لوجود الشرط».
وجاء في «شرح منتهى الإرادات» من كتب الحنابلة (3/112): «(ويقع ما علق زوج) من طلاق (بوجود شرط) معلق عليه (لا قبله) أي وجود الشرط».

(2) قال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *  فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 229، 230].

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/381) حديث (19422)، وابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «حق الزوج على المرأة» حديث (1853)، وابن حبان في «صحيحه» (9/479) حديث (4171)، من حديث عبد الله بن أبي أوفى ، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1203).

(4) سبق ذكره وتخريجه بالنساء» حديث (5186).

(5) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» (13/ 313) من حديث علي بن أبي طالب .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend