أفتوني جزاكم الله خيرًا في هذا الأمر الجلل؛ حيث إنه حدث خلاف بيني وبين زوجتي، فقلت لها: «اطلعي اطلعي على أهلك، أنا أصلًا حكيت لكِ إياها بنية الطلاق، يعني بتروحي طالقة»، علمًا بأنني في هذه اللحظة لم أنوِ الطلاقَ، وكنت مشتَّتًا هل نويت أم لا؟
فخرجَتْ من المنزل وذهبتُ وراءها وقلت لها: إني أرجعتُكِ وأريدك زوجتي. ثم بقيَتْ عند أهلها مدةَ شهر ولم يتم الحديث في هذا الموضوع، وفي أثناء هذه الفترة خِفْتُ من أنه قد وقعت الطلقة الأولى فجمعت أبي وأخي وأشهدتهم على إرجاع زوجتي، ثم بعد أن عادت إلى منزلي قلت لها: إني أرجعتك إلى عصمتي. وجامعتُها والله بنية الإرجاع أيضًا، وبعدها علمتُ أنها لا تدري بأمر الطلقة أصلًا، فتركتها ولم أجامعها، ومن وقتها وأنا أعيش حياة الضياع خوفًا من أن أكون وقعت في الزنى أو أنني خائن ومخادع، أو أن تدري فتطلب الطلاق.
وأنا لا أُطيق فراقها، وللعلم حدث هذا الأمر وهي حامل، وما زالت حاملًا لم تضع بعدُ، أخاف أن تلد فأقع في أمور أكبر وتزداد المشكلة تعقيدًا. أفيدوني بارك الله فيكم، وجزاكم الله كلَّ خيرٍ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الذي بيده العصمة أو عقدة النكاح هو الزوج، ولا يُشترط لوقوع الطلاق علم الزوجة به لحظة وقوعه، وصريح الطلاق لا ينوَّى صاحبه، وإنما ينوَّى في الكنائي؛ لكونه محتملًا فلا يعلم قصده إلا من جهته.
وقد جمعتَ في طلاقك بين الصريح والكنائي عندما قلت لها: «اطلعي اطلعي على أهلك، أنا أصلًا حكيت لكِ إياها بنية الطلاق، يعني بتروحي طالقة»، فلم تَدَعْ لنا فرصة للتأول، وقد أوقعت هذه الطلقة على زوجتك وهي حامل، ومعنى هذا أنه لا وجه للبحث في سنية الطلاق وبدعيته؛ لأن طلاق الحامل يقع بلا نزاع.
ثم قُمتَ بإرجاعها وأشهدت على إرجاعها أباك وأخاك، وقد أحسنت إذ أشهدت على الرجعة، فليس في موقفك إذًا ما يوجب القلق والحيرة، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الطلقة الثالثة؛ إذ لو كان ذلك كذلك لم تَحِلَّ لك زوجتك حتى تنكح زوجًا غيرك(1).
وكل ما ذكرته من الخيانة والمخادعة أو خشية الوقوع في الزنى… إلخ- لا وجه له، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الثالثة. وأسأل الله أن يردك إليه ردًّا جميلًا، وأن يصرف عنك كيد الشيطان. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) قال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 229، 230].