الطلاق للشك في نسب الولد

أخي أقام علاقة غير شرعية مع فتاة مسيحية منذ ثلاثة أشهر أو أكثر، وعندما علمنا بالأمر طلبنا منه أن يتزوجها ففعل ذلك بحضور الأهل والإمام.
منذ يومين وجدها مع زوجها السابق، فطلقها أخي ثلاث طلقات وهي حامل. وهو لا يدري إن كانت حاملًا منه أم غير ذلك، وقد ندم ندمًا شديدًا على هذا الفعل. هل طلاقه صحيح؟ جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيشترط لجواز النكاح من الكتابيات الإحصان، أي العفة عن الزنى، وهذا شرط عام في الزواج وليس خاصًّا بالكتابيات وحدهن؛ لقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: 5]، وقوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 3].
ويشترط لحل نكاح الزانية شرطان: التوبة من الزنى، واستبراء رحمها بحيضة للتأكد من براءة الرحم، حتى لا يسقي ماؤه زرعَ غيره؛ لحديث: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ»(1).
إلا إذا كانت الزانية حُبلى ممن يريد الزواج بها فهنا تشترط التوبة فقط، ويشرع له الزواج بها تحقيقًا لمقصود الشارع من الستر، وإن استلحق الولد لحق به تشوفًا من الشارع إلى إثبات النسب إذا كانت هذه الواقعة قد وقعت خارج ديارالإسلام، وذلك وفقًا لما انتهى إليه مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في دورة مؤتمره الرابع من القول بثبوت نسب ولد الزنى إذا استلحقه الزاني وكان ذلك خارج ديارالإسلام، وأرجأ البتَّ فيما يكون من ذلك داخل ديارالإسلام إلى دراسات لاحقة.
وتطبيق ذلك على هذه الواقعة: إن كانت هذه المرأة حبلى ممن زنى بها ثم تزوجها فإن زواجه بها صحيح، وطلاقه لها بعد ذلك وهي حامل طلاق صحيح، ثم ينظر بعد ذلك إلى الحمل فإن كانت قد حملت به وهي زوجة له فالولد له والحمل منه شرعًا؛ لقول النبي ﷺ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْـحَجَرُ»(2).
وإن كانت قد حملت به من قبل- ويعرف ذلك من عمر الجنين- ولم يدر هل كان هذا الحمل منه أم من زوجها السابق فهنا يلجأ إلى الوسائل العلمية لتحديد هوية الولد، ويجوز اللجوء في مثل ذلك إلى تحليلات البصمة الوراثية لمعرفة نسب الولد، فإن ظهر أنه ولده استلحقه ولحق به؛ إذا كانت هذه الواقعة قد وقعت خارج ديارالإسلام، ويقوم برعايته نفقة وإعاشة في الوقت الراهن، ثم تعليمًا وتهذيبًا في المستقبل.
ونسأل الله لنا وله التوبة والمغفرة، وأن يردنا وإياه إليه ردًّا جميلًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/108) حديث (17031)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في وطء السبايا» حديث (2158) من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه ، وحسنه الألباني في «صحيح وضعيف سنن أبي داود» حديث (2158).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الفرائض» باب «الولد للفراش حرة كانت أم أمة» حديث (6749)، ومسلم في كتاب «الرضاع» باب «الولد للفراش وتوقي الشبهات» حديث (1457) من حديث عائشة.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend