الرَّجعة بين قبول ورفض الزوجة لها

السَّيِّد الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي، أطال الله عمره وأَكْثَر عمله الصَّالح وأحسن الله لنا وله الختام:
سيدي الفاضل، أنا رجل مُتزوِّج ومعي أولاد، وللأسف الشَّديد سريع الغضب، ادعُ لي بالشِّفاء، ومنذ أكثر من عَشْر سنوات حدث في لحظة غضب- لم أستطع تحديد شدَّتها الآن- أن طلَّقت زوجتي مرَّتين متباعدتين تفصل بينهما أكثر من سنتين، وكنت أيامها لا أعلم أحكام الطَّلاق من حيث درجات شدة الغضب أو من حيث الحيض والطُّهر، وتمَّ الطَّلاق في الحالتين في طهرٍ جامعتُها فيه، وربما قبل أن أغتسل، ويتم النَّدمُ بعدها مباشرة والمراجعة في نفس اليوم.
والعام الماضي حدث معي مشادة وفي لحظة غضب أيضًا تلفَّظت بالطَّلاق ولكن في طهر لم أجامعها فيه، وكنت وقتها أعلم أحكام درجات الغضب، وأرسلت لفضيلتك رسالةً ونصحتني بعدم العودة مرةً أخرى للغضب وأن أرعى بيتي وأولادي، ولكن للأسف الشَّديد حدث يوم 23/5 مشادة بيني وبين زوجتي في التليفون، وفي يوم 24/5 اتَّصلت بها والله العظيم لأعتذر لها عن مشادة الأمس، ولكن للأسف حدث منها ما يُغضبني ويجعلني أقول لها: «أنا سأُريحك مني خالص، وأنا بكل قواي العقلية، وأنت في طهر لم أجامعك فيه، فأنت طالق».
وبعد أن هدأتُ بعدها بيومين كنت في المسجد جالسًا بعد الفجر، وظللتُ أدعو اللهَ أن يُفرِّج ما أنا فيه ويجعل لي من أمري مخرجًا، تذكَّرت كتاب «زاد المعاد» فذهبتُ وقرأت فيه فاطمأنَّ قلبي وسمعتُ وقرأت فتاوى للشيخ الجليل عبد العزيز بن باز، فلما تكلَّمت مع زوجتي قالت: لا، أنا سآخذ برأي الجمهور. فهل لها الحقُّ في ذلك؟ وتكلَّمت مع أهلها وقلت لهم: «سأتركها بعض الوقت حتى تهدأ».
ولكن ظلَّ رَفْضها، فلما وجدت أن العدَّة ستنتهي فقلت لها: على العموم بناءً على ما قرأتُ وما سمعت من فتاوى فأنا أُرجعكِ الآن. فهل لي الحقُّ في ذلك من دون الرُّجوع لمفتٍ؟ فقالت لي: وأنا لا أقبل الرُّجوع. فهل لها الحقُّ؟ وهل رضَا الزَّوْجة شرطٌ في الرُّجوع؟
وها نحن الآن يا سيدي لا أدري أنحن ما زلنا زوجين فأقنع زوجتي، أم أن الأمر خرج من يدي فأذهب للمأذون وأستخرج لها قسيمة الزَّواج كما تُحب هي؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فما سبق لك من طلاقٍ في طهرٍ جامعتَها فيه ذلك طلاقٌ بدعي، وفي تقليد من قال بعدم وقوعه مُتَّسعٌ لمثل حالتك.
وطلقة العام الماضي لا أعرف درجةَ الغضب التي كنتَ قد بلغتَها عندما أوقعت هذه الطَّلقة: هل بلغَتْ مبلغَ الإغلاق، أي أغلق عليك باب العلم وباب القصد فلا تُحتسب عليك، أم كنت في مبادئ الغضب أو أواسطه فتُحتسب عليك؟ والجواب على ذلك عندك، والمرء أمين على دينه!
أما الطَّلقة الأخيرة فالظَّاهر وقوعها، ولا سبيل للتَّردُّد في ذلك، وعلى افتراض وقوع الطَّلقة التي سبقتها فلا تزال أمامك فرصةٌ للمراجعة.
والزَّوْج هو صاحب العصمة، وهو الذي بيده عقدة النِّكاح، ولا تتوقَّف مراجعتُه لزوجته في العدة على قبولها؛ لقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: 228]، وممانعتها في ذلك لا أثر لها من النَّاحية الشَّرعية البحتة، واختيارها لاجتهاد فقهي يخالف اختيار الزوج لا أثر له كذلك.
ولكن يبقى أمرٌ مهمٌّ، وهو أن الحياة الزوجيَّة لا تقوم على الإكراه، وقد أسرفتَ على نفسك كثيرًا، وأوقعك غضبُك في مضايق عديدة، فإن كانت المرأةُ قد وصلت معك إلى طريقٍ مسدود فخلِّ سبيلها، وقد قال ربِّي جل وعلا: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: 130] حتى تُبقي بقيَّةً من وُدٍّ في علاقتك بها تستطيعان من خلالها التَّواصل بشأن الأولاد في المستقبل. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend