أكتب إليك يا شيخ بخصوص أخي زوجي الذي طلق زوجته قبل الدخول بها، أنا وزوجي كنا قد نصحناه بالذهاب إلى أهل الفتوى بخصوص واقعة الطلاق قبل الدخول بها، ولم يقبل خوفًا من المشاكل مع أهل خطيبته المعقود عليها فقط في ذلك الوقت، وكنا نحاول بكل جهدنا، حتى في النهاية بدأ بالتعدي على وجود الله في كلامه، فتركناه، وللأسف دخل بها وأنجب منها وهي لا تعلم، أنا وزوجي نعيش في بلد أجنبي، وسوف نزور أهل زوجي بعد شهر بإذن الله، وسيحاول زوجي مع أخيه مرة ثانية لتصحيح هذا الوضع بإذن الله، ولكني أخاف على زوجي من بطش أهل زوجة أخيه، هل يجب إعلامهم؟ أم يكفي أن يقوم بتجديد عقد الزواج دون علم أهل الزوجة؟
والله يا شيخ لقد تعبت، فالمصائب تتوالى عليَّ وعلى زوجي، وفي كل مرة أجلس معه نراجع أنفسنا، فلا نجد غير هذه المصيبة نعزو إليها سبب مصائبنا، فأنا وزوجي الحمد لله نعبد الله ولا نأكل حرامًا، ولم نظلم أحدًا غير زوجة أخيه التي لا تعلم ما هي واقعة فيه، وادع لنا الله أن يوفقنا في حل هذه المصيبة، أشكرك يا شيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الرجل البائس يعيش مع أجنبية، ويعاشرها معاشرة غير شرعية منذ لحظة طلاقها حتى هذه اللحظة، والزواج عقد بين طرفين، ولا يصلح تجديد عقد الزواج بناء على طرف واحد وهو الزوج، بل لابد فيه من ولي الزوجة باعتباره هو الطرف الآخر في هذه العلاقة، وأوسع ما يمكن أن يقال هو تقليد أبي حنيفة(1) فيما ذهب إليه من القول بجواز أن تزوج المرأة نفسها من الكفء بمهر المثل، وإذا تنزلنا وذهبنا مع هذا الرأي فلابد على الأقل من إعلام الزوجة بذلك؛ لأنها ستكون هي الطرف الآخر في هذه العلاقة، هذا بالإضافة إلى الشهود بطبيعة الحال، أما أنتم فيكيفيكم إبلاغ هذا الرجل المبتلى بحقيقة أمره، وبيان المخرج له، وإعانته عليه إن طلب منكم ذلك.
وفي نهاية المطاف كل نفس بما كسبت رهينة(2)، ويوم القيامة لن يعذب عذابه أحد ولن يوثق وثاقه أحد(3)، وقد قال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: 105] أي إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلا يضركم إذا لم يُقبل ذلك منكم. ونسأل الله العافية للجميع، والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (5/10-14): «(قال:) رضي الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة زوجت ابنتها برضاها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح، وفي هذا دليل على أن المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي أن يزوجها فزوجها جاز النكاح وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى سواء كانت بكرا أو ثيبا إذا زوجت نفسها جاز النكاح في ظاهر الرواية سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كفء فالنكاح صحيح إلا أنه إذا لم يكن كفؤا لها فللأولياء حق الاعتراض، وفي رواية الحسن رضي الله عنه إن كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح، وإن لم يكن كفؤا لها لا يجوز وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى أولا يقول: لا يجوز تزويجها من كفء أو غير كفء إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤا جاز النكاح، وإلا فلا ثم رجع فقال: النكاح صحيح سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كفء لها، وذكر الطحاوي قول أبي يوسف رحمهما الله تعالى إن الزوج إن كان كفؤا أمر القاضي الولي بإجازة العقد فإن أجازه جاز، وإن أبى أن يجيزه لم ينفسخ ولكن القاضي يجيزه فيجوز».
(2) قال تعالى:﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]
(3) قال تعالى: {﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ * يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾} [الفجر: 23 – 26].