مات وترك خمسة إخوة وبنتين من زوجة وترك أخوين من زوجة أخرى

تُوُفِّي والدُهم وتَرَك خمسةَ إخوةٍ وبنتين كلهم من زوجةٍ، وترك أَخَوَيْنِ من زوجةٍ أخرى، وكان لهم محلٌّ في فِلَسْطين لبيع السمك، وبعد وفاة الوالد قام أحدُ الإخوة بتشغيل المحلِّ ومن الدَّخْل قام بالإنفاق على العائلة وعلى نفسه، لم يأخذ راتبًا لِـمُدَّة عَشْر سنواتٍ مقابل عمله في المحلِّ، ثم ساءتِ الظروفُ وقام هذا الأخ ببَيْعِ خُلُوِّ المحلِّ لأن المحلَّ نفسَه لم يكن ملكًا لهم وحصل على مبلغٍ من المال ثلاثة آلاف دينار أردنيٍّ، كان هذا في عام 1970م، وقد حوَّل المبلغَ إلى دولاراتٍ فبلغت ستة آلاف دولار، ثم استخدم المالَ كلَّه للسَّفَرِ إلى أمريكا، ثم أنفق جميعَه في الأشهر الأولى، ثم عَمِلَ في مطعمٍ وقام بادِّخار مبلغٍ من المال، ثم جاء بأخيه من الكويت وقاما بشراء عقارٍ وفتحا مطعمًا، وتبلغ القيمةُ السُّوقية للأرض والمطعم مليونَ دولارٍ أو أكثر.
والسُّؤال كالتَّالي: الإخوة الآخرون يُطالبون بحصَّتِهم من المحلِّ مُحتجِّين بأن أخاهم قام بأَخْذ الإرث كلِّه وكان المالُ هو السببَ في ذَهابه إلى أمريكا، بينما يقول الأخ: إن قيمةَ الخُلُوِّ تمَّ صَرْفُها قبل أن يقومَ هو وأخوه الآخر بالاشتراك في نصف المحلِّ، فهل لهم نصيبٌ في قيمة المحلِّ كاملةً أم بالنِّصف؟ لأن الأخَ الذي حَضَر من الكويت جلب معه نقودَه. علمًا بأن بعضَ الإخوة تُوُفِّي، وكذلك تُوُفِّيَتِ الوالدةُ، فإذا لم يكن لهم حصةٌ في الأرض والمطعم فلا يُدفع لهم نصيبُهم من الثلاثة آلاف دينار الذي كان في عام 1970م، وأنت تعلم أن الثلاثة آلاف دينار فى عام 1970م تُساوي الكثيرَ الآن.
كيف يتمُّ التقييمُ علمًا بأنه لم يأخد راتبًا مقابل العمل في المحلِّ لِـمُدَّة عَشْر سنواتٍ؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هذه المسائلَ المتراكمةَ والمتداخلة على هذا النَّحْو لابُدَّ أن يأتمر النَّاسُ فيها بينهم بمعروفٍ، وأن يُغلِّبوا جانبَ السماحة وطِيبَ النفس حتى ترسوَ سفائنهم على مرفأٍ، لقد قَبِلَ الجميعُ بمبدأِ إبقاء التَّرِكة على الشيوع، وأن يعملَ أخوهم في أموال التَّرِكة مقابلَ إنفاقه على نفسِه وعلى إخوته، أو على الأقلِّ لم يبدُ منهم اعتراضٌ على ذلك، فيُقدَّر أنهم قد أنشئوا شركةً لهذه الأموال تولَّى أحدُ الشُّرَكاء إدارتَها، فيُفرض لهذا الشريكِ المديرِ حصةٌ زائدةٌ من الرِّبح مقابلَ عمله في هذه الشركة وانقطاعه لإدارتها، ويرجعون في ذلك إلى العُرْف التجاريِّ السائد في عالم المال والتجارة، ثم بِيعَتْ أصولُ هذه الشركة وسافر بعدها الشريكُ المديرُ ليستأنف حياته داخل الولايات المُتَّحِدة، وهنا قد يُفترض أن الشركةَ قد انتهت واستقرَّت ملكيةُ الشركاء على هذا المبلغ باعتباره يُمثِّل التَّرِكة في ذلك الوقت، ولكن هذا المالَ لم يُرَدَّ إلى الشركاء، بل بقي في يَدِ أحدهم وأنفقه في ترتيب أوضاعه القانونيَّة ليبدأ مشوارًا جديدًا، وهنا قد يقول قائل: إن هذا المالَ قد بدأ يتَّجه في الاستثمار مسارًا آخر، وإن لهم شبهةَ شركةٍ في هذه المشروعات الجديدة بنفس المنطق السَّابِق، فإنهم لم يُفوِّضوا أخاهم صراحةً في الشركة المفترضة الأولى والمنتهية بتنضيض أموال الشركة وتَسْيِيلِها، كما لم يُفوِّضوه صراحةً في إنهائها ولا في التوجُّه الجديد الذي اختطَّه لنفسه، ولم يأذنوا له صراحةً باستخدام هذه الأموال المسيلة في ترسيم أوضاعه القانونيَّة لصالح نفسه فحسب، لقائل هذا القولِ شُبهتُه ولقائل القول الآخر شبهته كذلك.
فأرى وقد أفاء اللهُ على هذا الشريك من فَضْله وتحسَّنت أوضاعُه وربحت تجارتُه أن يسترضي إخوتَه وأن تُحَلَّ المسألةُ بينهم صلحًا، فيرضخ لهم من المال ما يُطيب به نفوسَهم، ويعلم أن كسبَ القلوب أولى من كسب الدراهم والدنانير، وكان عمر رضي الله عنه  يقول: ردُّوا الخُصُومَ حتى يصطلحوا، فإنَّ فصلَ القضاء يُورث بينهم الضغائن(.
وأعتقد أن إخوتَه سيرضون باليسير الذي سيرضخه لهم؛ لأنهم يعلمون أنهم لم يكدحوا في هذا المال ككدحه، ولم يعملوا فيه كعمله، وأقصى ما يتطلَّعون إليه أن يجعلَ لهم شيئًا ولو يسيرًا مما أفاء اللهُ به عليه، وربما نُذكِّره بأن يجعلَ مِن استرضاء إخوته وتطييب نفوسِهم سبيلًا إلى قضاء ما فاته من برِّه بأبيه، والبرُّ بالأبوين لا ينتهي بانتهاء حياتهم، فلا تزال هناك أبوابٌ يفتحها اللهُ للقضاء.
أسأل اللهَ أن يَسُلَّ سخائم صدورهم، وأن يُصلح ذات بينهم، وأن يُؤلِّف بين قلوبهم، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend