أب ترك ثلاث بنات وكتب لهم في حياته قطعةَ أرض، والأب له أخوات أشقاء، وابن أخ للأب أي ابن عمٍّ للبنات، مات والدُه في حياة الأب. ثم مات الأبُ، فهل الأخوات وهم عمات البنات يرثن في قطعة الأرض؟
على الرغم أن العمات لم يطلبوا بميراث، لأن البنات صغار ويَحتجن إلى مصاريف للحياة والزواج، ولكنهن يخفن أن يكون أبوهن ظلمَ عمَّاتهن في الميراث. أفدني جزاك الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن كان قد وهب لهم هذه القطعة في حياته، وتمت حيازتُها من قِبَلهم، وأصبحوا يتصرفون فيها تصرُّفَ الملاك، فقد مضت هذه القطعة لهم، لأن للأب في حياته أن يتصرف في ماله بهبة أو بيع ونحوه كما شاء، شريطة أن لا يكون قصدُه إخراجَ وارث لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وإن تخلفت بعض هذه الشروط، فلم تقبض الهبة من قِبَل البنات في حياة أبيهم، فقطعةُ الأرض ميراثٌ؛ لأنه لا تتم نِحلَةٌ حتى يحوزها المنحول، وذلك لما رواه عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحَلَها جَادَّ(1) عشرين وَسْقًا من مالٍ بالغابة، فلما حضرته الوفاة، قال: والله يا بنية، ما من الناس أحدٌ أحبُّ إليَّ غنًى بعدي منكِ، ولا أعزُّ عليَّ فقرًا بعدي منكِ، وإني كنت نحلتُك من مالي جَادَّ عشرين وسقًا، فلو كنت جَدَدْتِيه واحْتَزْتِيه كان لك، وإنما هو مالُ الوارث، وإنما هو أخواكِ وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة: فقلت: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركتُه، إنما هي أسماءُ، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية(2).
وبناء على ذلك فيكون للبنات ثُلثاها، والباقي لبقية الورثة على قواعد الميراث، إلا إذا طابت نفوسهم بالتنازل عن نصيبهم لصالح هؤلاء البنات، فنرجو أن يُؤجروا على ذلك، ويطيب للبنات ما تنازل لهم عنه بقيةُ الورثة. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) جاء في «المنتقى شرح الموطأ» (6/93-103): «وقوله: جاد عشرين وسقًا من تمر. قال عيسى بن دينار : معناه جِدَادُ عشرين وسقًا من تمرِ نخلِهِ إذا جُدَّ، وقال ثابت: قوله: جاد عشرين وسقًا. يعني أن ذلك يجد منها ويصرم. قال الأصمعي: يقال هذه أرض جاد مائة وسق؛ يريد أن ذلك يجد منها، فعلى تفسير عيسى قوله: جاد عشرين وسقًا. صفة للثمرة الموهوبة. فتقديره: وهبها عشرين وسقًا مجدودة. وعلى تفسير ثابت قوله: جاد عشرين وسقًا. صفةٌ للنخل التي وهب ثمرتها. فمعناه: وهبها ثمرة نخل يجد منها عشرون وسقًا. والله أعلم وأحكم».
(2) أخرجه مالك في «موطئه» (2/ 752) حديث (1438) من قول عائشة رضي الله عنها، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 143) وقال: «هذا الأثر صحيح رواه مالك في الموطأ».