توزيع تركة سهم في بيت قد استخدمه الورثة سنين

في عام ألف وتسعمائة وخمس وتسعين تحصَّل لوالدي : مبلغًا ماليًّا ثمانية آلاف وخمسمائة دينار أردني، وكان بحاجة لبيت يسكنه مع والدتي، فحاول أن يبني بيتًا في أرض له ولكنه عدل عن ذلك؛ لأن التكلفة كانت حوالي ثلاثين ألف دينار، فطلب مني بذاته وبحضور شقيقتي أن أبني له بيتًا في أرض لي، فقمتُ فعلًا ببناء بيت له في أرضي، وساهم هو بمبلغ ثمانية آلاف وخمسمائة دينار، وأكملت الباقي بنفسي.
سكن والدي ووالدتي وشقيقتي وشقيقي وأولاده في البيت إلى أن تُوفِّيت والدتي وتوفي والدي في عام ألفين وخمسة، وبقيت شقيقتي تسكن البيت إلى عام ألفين وثمانية، وبعد ذلك خرجت شقيقتي وشقيقي بكامل رغبتهم من البيت، ثم قمت بتأجير البيت؛ لأستفيد من أجرته.
والآن يطالبني بعض إخوتي بالمبلغ الذي ساهم به والدي في البناء، ومن ناحية أخرى أشهد وأقسم بأن والدي عندما ساهم بماله لم يقل بأن المبلغ هو دين علي، وليس هو أمانة عندي لإخوتي، بل لم يتم مناقشة ذلك في حينه مطلقًا بل كان ما قاله لي والدي: عَمِّر لنا نريد أن نسكن. ومع العلم أيضًا أنني لم أسكن في هذا البيت مطلقًا؛ لأنه يوجد لي بيت آخر، وأنني كنت أقوم بصيانة البيت باستمرار بدون مساعدة من إخوتي، بمعنى آخر، فإن البيت كان عبارة عن مصروف إضافيٍّ، ولم أستفد منه إلا بعد أن بدأت بتأجيره عام 2008م.
والآن أنا رفضت طلب إخوتي بإعادة أي مبلغ لهم، وطلبت منهم الجلوس معًا لأعرض عليهم المصاريف التي دفعتها خلال سكن والدي في البيت فرفضوا ذلك، وعليه جددت رفضي لإعادة أي مبلغ لهم، أرجو من فضيلتكم التكرم بالفتوى بأحقيَّة إخوتي بهذا المبلغ.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإنه ليؤسفني أن أرى هذه الخصومة بين ذوي الرحم والقربى، وقد كان لهم من وفاة والدهم عبرة، ففيم يختصمون؟! وعم يتساءلون؟! أمن أجل لعاعة من الدُّنيا يفارقها حائزها عما قليل؟! ويغيب في لحده مرتهنًا بعمله؟! يقول بلسان حاله قبيل تغييبه فيه: يا ليتني قدمت لحياتي؟! اجلسوا أيها الأحبة، وأتمروا بينكم بمعروف، ولا تسمحوا للدينار والدرهم أن يُمزِّق الأواصر التي أمر الله أن توصل، أو أن يقطع الرحم التي أمر الله بها أن توصل(1).
وسؤالي إليكم أيها الإخوة الأفاضل: كيف تذكرتم اليوم أن أباكم قد ترك لدى أخيكم المبلَغَ المذكور، ولم تذكروا أن واجب إسكان أبيكم والقيام بحقه مسئوليتكم جميعًا ما دمتم قادرين؟!
أما أنت أيها السائل الكريم، فما دام والدك لم يصرِّح بأن هذا المبلغ منحة خالصة لك، ولا صرح بأنه دين في عنقك فانظر فيما فعلت، إن كنت قد فعلت ما فعلت مع أبيك برًّا به وإحسانًا إليه وقيامًا بأمر الله فيه فليكن هذا برًّا خالصًا لا شائبة فيه لمعاوضة ولا بيع ولا شراء، واجعل ما دفعه لك ميراثًا، وطيِّب نفوس إخوتك، وإن كنت فعلت ما فعلت على أساس المعاوضة والمحاسبة والاحتفاظ بحقك في مقابلة إخوتك فلا حرج في أن تقدِّر لهذه السكنى أجرة مناسبة تتوزع أعباؤها على الإخوة جميعًا ومن بينهم أنت، وتستقطع هذه القيمة من مبلغ الوالد، ويرد الباقي إلى التركة ليتقاسمه على أنصبة الميراث هؤلاء الإخوة وغيرهم من بقية الورثة.
المهم في نهاية المطاف أن تصلوا إلى صيغة تتوافقون عليها صلحًا وتذهب الشحناءُ من بينكم، وأسأل الله أن يقذف الحب بينكم والهدى في قلوبكم. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب ﴿وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22]  حديث (4832)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «صلة الرحم وتحريم قطيعتها» حديث (2554)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْـخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ». ثم قال رسول الله ﷺ: «اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ *  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 22 – 24]

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend