تنفيذ الوصية غير المستكملة قانونيًّا

أعلم بضيق الوقت عندكم لكن أستحلفكم بالله قراءة قصتي كاملة بتمعن ثم الإجابة عليها لأنها معقدة.
أنا امرأة للأسف غير محجبة وغير ملتزمة بالصلاة تمامًا، ولكني أحب كثيرًا سماع الشيوخ، عندي مشاكل عويصة أرجو أن تفتيني فيها.
تربيت عند عمتي منذ أن كان عمري شهرين لأن أبي وأمي كانا يعملان في بلد آخر، ولأني كنت البنت الثالثة وأمي لا تحب البنات بقيت عند عمتي وأحببتها كثيرًا، مما أثار غضب أمي علي، فهي تريد أن تتركني عند عمتي وتريد مني أن أحبها.
ولي عمة أخرى وضعها المادي ممتاز قامت بالإنفاق عليَّ حتى أنهيت دراستي الجامعية، وفي هذه الفترة كان هناك مشاكل بين أهلي وعماتي مما أدى إلى وجود فجوة كبيرة بيني وبينهم، مرضت عمتي ولازمتها لأنها لا أحد لها وردًّا لجميلها علي.
تزوجت برضا أهلي ورضا الجميع وسكنت قريبًا منهم، وكنت أبقى معظم الوقت عند عمتي لأنها مريضة، عمتي الثانية طلبت مني الانتقال للسكن بنفس العمارة حتى أبقى مع عمتي وقتًا أطول، ووعدتني بتسجيل البيت باسمي، ورحت أصلح البيت كأنه لي، وأخذت قروضًا من البنك وديونًا من الناس؛ لأنها وعدتني أنها ستساعدني بالسداد.
توفيت عمتي وفي نفس العام توفيت عمتي الثانية قبل أن تسجل لي البيت، ولكنها كتبت لي وصية عند محام مكتوب فيها:
1- الشقة الكبيرة تباع ويكمل فيها المسجد، التي كانت أصلًا خلال حياتها قد حولت حسابها بالبنك البالغ 100000 دينار أردني لبناء المسجد.
2- الشقة الثانية تبقى لبنت أخي، وكتبت اسمي بالكامل، والوصية لا يوجد عليها شهود سوى المحامي، أما الورثة وهم أبي وعمي وخمس عمات رفضوا تنفيذ الوصية بحجة أنها غير قانونية لم تسجل لدى المحكمة.
نفذ الأخوات الخمس الجزء المتعلق بالمسجد، أي أعطوا حصتهم بالشقة الكبيرة للجامع.
قيمة شقتي قد لا تتعدى الثلث من قيمة تركتها، الآن أنا غارقة بالديون وراتبي 100 دينار، وزوجي لا يعمل، يعني لا أستطيع الخروج من البيت، وانقلب علي بعد أن ساءت ظروفي.
أبي وعمي رفعوا علي دعوى إخلاء البيت يريدون طردي، فرفعت عليهم بالمقابل دعوى إثبات وصية رغم علمي أن موقفي القانوني ضعيف.
ما هو موقف الشرع من هذه الوصية؟ ما هو موقف الشرع من تخلي أهلي عني حتى لو كان لأجل تسلية عمتي؟ ومن مقاطعتي لهم؟ هل غضبهم علي جائز وهم تخلوا عني منذ الصغر رغم أني حاولت عمل علاقة معهم لكن دون فائدة؟ هل المصائب تحل علي انتقامًا من رب العالمين لأن أهلي غاضبون علي أم ماذا؟ أرجو إفادتي فأنا حائرة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]
تركك للصلاة من أعظم الكبائر، وهو عند كثير من أهل العلم باب من أبواب الردة عن الإسلام، فقد قال ﷺ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهاَ فَقَدْ كَفَرَ»(1).
وقال عمر بن الخطاب: لا سهم في الإسلام لمن ترك الصلاة ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة(2).
وتبرجك وتركك للحجاب من الكبائر، وقد قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]، وقال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، وقال ﷺ في المتبرجات: «لَا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا»(3).
فما نزل بك من البلاء تذكرة من الله لك، فأرجو أن تحسني قراءة هذه الرسائل الربانية وأن تحسني التعامل معها يكشف عنك البلاء ويرفع عنك العذاب إن شاء الله.
بالنسبة للوصية فهي جائزة لغير الورثة في حدود الثلث، لكن يبدو أن وصيتك لم تستكمل الشكل القانوني ولذلك تعثر قبولها من الناحية الرسمية، الذي ننصحك به التوبة إلى الله عز و جل  وإصلاح ما فسد من علاقتك بأبيك وبقية أرحامك وليكن همك في استصلاح الأحوال أكبر من همك في المال، وتذكري دائمًا أن: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3] والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/346) حديث (22987)، والترمذي في كتاب «الإيمان» باب «ما جاء في ترك الصلاة» حديث (2621)، والنسائي في كتاب «الصلاة» باب «الحكم في تارك الصلاة» حديث (463)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء فيمن ترك الصلاة» حديث (1079)، والحاكم في «مستدركه» (1/48) حديث (11). من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه فقد احتجا جميعًا بعبد الله بن بريدة عن أبيه واحتج مسلم بالحسين بن واقد ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعًا»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (574).

(2) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1/536) حديث (2038).

(3) أخرجه مسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات» حديث (2128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend