المطالبة بميراث قديم

أسأل الله أن ينفع بكم وأن يجزيكم عن الإسلام خيرًا.
توفي جدي وجدتي منذ أكثر من خمسين عامًا وتركوا منزلًا قديمًا، ولي ثلاث عمات، وحتى وفاة والدي منذ عشرين عامًا لم تسأل عماتي عن الميراث، وتوفي منهن اثنتان، ولي عمة على قيد الحياة، وقد طالبت بالميراث منذ أربع سنوات، وأشار علينا أهل الأمر بأن هذا الحق قد سقط بالتقادم وهو في ذمة والدي وليس في ذمتنا، ولكني لم أقتنع بهذا الرأي، وأحضرت من قام بتثمين المنزل وأخذت بالسعر الأعلى اتقاء للشبهات، وكان نصيب عمتي من الميراث آنذاك 1300 جنيهًا، وذهبنا إلى عمتي لإعطائها الميراث، فرفضت ورفض أبناؤها من منطلق أنها كانت لحظة غضب عندما طلبوا الميراث، فذهبت مرة ثانية لزيارة عمتي وأعطيتها مبلغ 1500 جنيهًا، وفى نيتي تبرئة للحقوق ولذمة والدي، ومنذ ذلك الحين وأنا أبر عمتي بما أستطيع هي وأولادها.
والآن أرسلت عمتي مرة أخرى على الميراث، فذكرتهم بما حدث، وادعوا أنهم يريدون دفع مقدم شقة جديدة لتسكن بها عمتي؛ لأن منزلهم قد تهدَّم، فما كان مني إلا أن عرضت عليهم أن أدفع مقدم الشقة برًّا بعمتي وهو مبلغ 4000 جنيه بغض النظر عن موضوع الميراث، رفضت عمتي وأوكلت من قام بتثمين المنزل الآن، ووصل نصيبها إلى 15000 جنيه؛ لأن الوضع قد تغير في السنين الماضية، وأرسلت لي بأن أقوم بخصم كل المبالغ التي أعطيتها إياها منذ وفاة والدي حتى الآن وإرسال باقي الميراث.
شيخنا الفاضل، أنا لا أتذكر كم أعطيت عمتي من مبالغ خلال هذه الفترة، وإن كنت أجزم أنها تتعدى 10000 جنيه، ولكني لا أستطيع أن أخصمها؛ اتباعًا لقول الرسول ﷺ: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ»(1). ولقد اقترحت عليهم أن أدفع لهم مقدم الشقة مقابل التخالص.
والسؤال سيدي الشيخ: هل يتم حساب الميراث من وقت استحقاقه؟ أم من وقت طلبه؟ أم بسعر اليوم؟ لأني أشعر أن السعر مبالغ فيه جدًّا، ولن أستطيع أن أدفع لهم هذا المبلغ، مع العلم أن لي إخوة وأخوات ولكن كذلك ماديًّا لا يستطيعون، فما حكم الشرع في ذلك وبناء على كل ما سبق سرده؟ وجزيتم عنا خيرًا.

________________

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «الهبة وفضلها والتحريض عليها» باب «لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته» حديث (2621)، ومسلم في كتاب «الهبات» باب «تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل» حديث (1622)، من حديث عبد الله بن عباس ب

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الميراث لا يسقط بالتقادم في باب الديانة؛ لقوله ﷺ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»(1).
وما دام البيت قائمًا لم يبع فإنه يقدر بقيمته الحاضرة عند التخالص، وما أحسنت به إلى عمتك بِر وصِلة بارك الله لك فيه، وتقبل الله منا ومنك، ولكن إن طابت نفسها أن يستقطع هذا من حقها وكنت في حاجة إلى ذلك نظرًا لارتفاع قيمة المنزل في الوقت الحاضر وعجزك عن الوفاء بقيمة حصتها كامـلة فافعل ولا حرج، وأنت لم ترجع في هبتك، ولم تطالب بذلك، ولم تتشوَّف نفسك إليه، ولكن من أخذها قد ردَّها عليك، ويكون التقدير في ذلك بغلبة الظن، وابقَ على صلتك لرحمك ما استطعت فليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل من إذا قُطعت رحمُه وصلها(2)، ونسأل الله لنا ولك التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه البخاري في كتاب «المظالم والغصب» باب «من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له» حديث (2449) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(2) أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «ليس الواصل بالمكافئ» حديث (5991) مرسلًا عن حسن وفطر رحمهما الله.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend