شيخي الجليل، أعشق الجهاد في سبيل الله، وأتمنى وأحلم بالشهادة في سبيل الله، وحاولت بكل ما أستطيع من التعلم الجهادَ، ولم يصبح لحياتي أي معنى لشوقي للجهاد في سبيل الله، أجد صعوبات كثيرة من نفسي الأمارة بالسوء، ولكني أقاومها بشتى الطرق لأني أعلم أن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الهجرة والجهاد، ولكن المشكلة الحقيقية أننا تربينا على الرفاهية لا على القتال أو الجروح أو العيش لوقت طويل في ويلات الحروب، بخلاف الصحابة الكرام الذين كانت حياتهم قبل الإسلام القتالُ، فلهم من الخبرة ما كانت تكفيهم للجهاد؛ لأنهم متمرسون على السلاح وغيره. أريد نصيحة سيادتك في ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأحيي فيك يا بني علوَّ همتك، وتشوُّفَك إلى المعالي، فإن الجهاد ذروة سنام الإسلام(1)، وأتمنى لك من الله أن يديم عليك هذه الهمة، وأن يعينك عليها، وأن يرزقنا وإياك السداد والرشاد، في الأقوال والأفعال، اللهم آمين.
وينبغي لمن يطلع إلى مثل ذلك أن يُعِدَّ نفسه له، كما قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]. وقد نعى الله على من قعد عن ذلك من المنافقين، فقال: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ [التوبة: 46].
ومن هذه العُدَّة العُدَّةُ العِلمية التي تفرق بها بين الجهاد المشروع وبين الانبعاثات الفجَّة التي لا تستكمل فيها شرائط الجهاد المشروع، وتصبح عبئًا على الجهاد وعلى المجاهدين.
والعُدَّة الإيمانية التي تُعِدُّ بها نفسك لتبعات الجهاد ومشاقِّه، ومن ذلك القراءة في سير السلف وأخبار المجاهدين الأوائل فإنها تُهيِّج في النفس أشواق الجهاد المشروع، فالقصص جندٌ من جند الله عز وجل يُثبِّت الله بها من شاء من عباده.
ومن ذلك التخفُّف من الملذات وإن كانت مشروعةً، والاخشوشان في المأكل والمشرب والمسكن واللباس ونحوه، ومن ذلك صبرُ النفس على طاعة الله عز وجل، ورياضتها بقيامِ الليل وصيام النافلة، ونحوه.
ومن ذلك الضراعةُ إلى الله عز وجل أن يُهيِّئك لهذه العبودية، وأن يصرف عنك وساوس الشيطان وتثبيطاته.
فابدأ بذلك، ولعلك تجد من حلاوة الطاعة ولذة الإيمان ما يعينك على هذا التشوُّف العالي والتطلع الشريف، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (5/ 231) حديث (22069)، والترمذي في كتاب «الذبائح» باب «ما جاء في حرمة الصلاة» حديث (2616)، وابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «كف اللسان في الفتنة» حديث (3973). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ». قلت: بَلَى يا رَسُولَ الله. قال: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ». وقال الترمذي: «حسن صحيح».