كيفية مسح الرأس في الوضوء

من المعلوم أن مسح الرأس من فروض الوضوء، فما هي الكيفية الصحيحة في مسح الرأس؟ أي هل مسح الرأس كاملًا أم جزءًا منه؟ جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد ورد لمسح الرأس في الوضوء صفتان:
الصفة الأولى:
أن يُقبِل بيديه ويُدبِر، يبدأ بمُقدَّم رَأْسِهِ حَتَّى يذَهَبَ بهما إلى قَفَاهُ، ثم يردهما إلى المكَانِ الذي بَدَأَ مِنْهُ. وقد اتفق أهل العلم على استحباب هذه الكيفية، وقد رُوي فيها جملة من الأحاديث نذكر منها:
ما رواه البخاري ومسلم: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه : أنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم : … ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلى الْـمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ(1).
وروى أبو داود: أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه  تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم  يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أو كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلى مُقَدَّمِهِ(2).
وروى أبو داود: عَنِ الْـمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه  قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم  تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقدم رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلى الْـمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ(3).
وهذه الصفة تناسب مَن كان شعره قصيرًا، لا ينتفش بعَوْد يديه إلى مُقدم رأسه.
الصفة الثانية:
يمسح جميعَ رأسه، ولكن باتجاه الشعر، بحيث لا يُغيِّر الشعر عن هيئته. وهذه الصفة تناسب من كان شعره طويلًا، رَجلًا كان أو امرأة، بحيث يخشى انتفاشه بعَوْد يديه. وقد ورد في هذه الصفة في السنة المطهرة:
ما رواه أحمد وأبو داود: عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ ل: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم  تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِـمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ(4).
«مِنْ قَرْن الشَّعْر»: المراد بقرن الشعر هنا: أعلى الرأس، أي: يَبْتَدِئ الْـمَسْح مِن الأَعْلَى إلى أَسْفَلَ.
«كُلَّ نَاحِيَة»: أَيْ فِي كُلِّ نَاحِيَة بِحَيْثُ يَسْتَوْعِب مَسْح جَمِيع الرَّأْس عَرْضًا وَطُولًا.
«لِـمُنْصَبِّ الشَّعْر»: الْـمَكَان الَّذِي يَنْحَدِر إِلَيْهِ وَهُوَ أَسْفَل الرَّأْس.
قال العراقيُّ: «والمعنى: أنه كان يبتدئ المسحَ بأعلى الرأس إلى أن ينتهي بأسفله، يفعل ذلك في كلِّ ناحية على حِدَتها. انتهى.
«لا يحرك الشعر عن هيئته»: التي هو عليها.
قال ابن رسلان: وهذه الكيفية مخصوصة بمن له شعرٌ طويل؛ إذ لو ردَّ يدَه عليه ليصل الماء إلى أصوله ينتفش ويتضرَّر صاحبه بانتفاشه وانتشار بعضه.
ورُوي عن الإمام أحمد أنه سئل: كيف تمسح المرأة ومَن له شعر طويل كشعرها؟ فقال: إن شاء مسح كما رُوي عن الرُّبيِّع، وذَكَر الحديث ثم قال: هكذا، ووضع يده على وسط رأسه ثم جرَّها إلى مُقدَّمه، ثم رفعها فوضعها حيث بدأ منه- يعني وضعها على وسط رأسه- ثم جرَّها إلى مؤخره»(5).
فأي هاتين الهيئتين قُمْتَ بها أجزأتك. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الوضوء» باب «مسح الرأس كله» حديث (185)، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (235).

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (124)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (124)

(3) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (122)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (122)

(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/359) حديث (27069)، وأبو داود في كتاب «الطهارة» باب «صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (128)، وحسنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (128).

(5) انظر: «عون المعبود شرح سنن أبي داود» للعظيم آبادي (1/149).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend