قراءة القرآن على غير طهارة

هل يجوز قراءةُ القرآن من المصحف بدون وضوءٍ؟ إنني قد قرأت قبل ذلك أن بعضَ العلماء قد قالوا: إنه لا يجوز قراءة القُرْآن من المصحف من دون وضوءٍ التماسًا بقوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79]
فهل يكون المسلمُ من غير المطهرين المذكورين في الآية إذا أحدث بعد الوضوء، ولذلك لا يمس المصحف؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن قراءةَ القُرْآن من غير مسيسٍ للمصحف تجوز للمُحدِث حَدَثًا أصغرَ بإجماع أهل العِلْمِ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة(1). وإنما يكون ذلك على سبيل الندب والاستحباب، فإن توضَّأ للقراءة كذلك كان أكمل، قال النوويُّ: «أجمع المسلمون على جواز قراءة القُرْآن للمُحدِث، والأفضل أن يتطهَّرَ لها»(2).
أمَّا القراءةُ من المصحف فلا تُشرع له إلا إذا كان في مقام التعليم أو التعلُّم، ومن الأدلة على ذلك قولُه تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *  فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *  لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ *  تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة: 77 – 80].
قال النوويُّ: «فوصفه بالتنزيلِ، وهذا ظاهرٌ في إرادة المصحف الذي عندنا، فإن قالوا- أي: المخالفين-: المرادُ اللوحُ المحفوظ لا يَمَسُّه إلا الملائكة المُطهَّرون؛ ولهذا قال ﴿يَمَسُّه﴾ بضمِّ السين على الخبر، ولو كان المصحفُ لقال ﴿يَمَسَّهُ﴾ بفتح السين للنهي؟ فالجواب: أن قولَه تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ﴾ [الواقعة: 80]ظاهرٌ في إرادة المصحف، فلا يُحمَل على غيره إلا بدليلٍ صحيح صريح، وأما رفعُ السين فهو بلفظ الخبر، كقوله: ﴿لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ [البقرة: 233] على قراءة مَن رَفَع، وقولِه صلى الله عليه وسلم : «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»(3) بإثبات الياء، ونظائرُه كثيرةٌ مشهورةٌ، وهو معروفٌ في العربية. فإن قالوا: لو أُريد ما قلتم لقال «لَا يَمَسُّهُ إلا الـمُتطهِّرون»؟ فالجواب: أنه يُقال في المتوضِّئ: مُطهَّر ومُتطهِّر». انتهى(4).
ومن الأدلة على ذلك ما رواه عمرو بن حزم رضي الله عنه : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم  كتب إلى أهل اليمن «أَنْ لَا يَمَسَّ الـْمُصْحَفَ إِلَّا طَاهِرٌ».
ولأن الـمُحدِثَ طهارتُه بيده يستطيع أن يرفعَ هذا الحَدَث في أيِّ لحظةٍ شاء، وقد كان التوسُّعُ لمن كان في مقام التعليم أو التعلم رفعًا للحرج الذي يكون عند اشتراط ذلك؛ لاسيَّما مع الصِّغار الذين لا تنضبط لهم طهارةٌ. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

___________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «في الجنب يقرأ القرآن» حديث (229)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا» حديث (146) من حديث علي رضي الله عنه  وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

(2) المجموع» (2/87).

(3) أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود» حديث (2165) من حديث عبد الله بن عمر.

(4) «المجموع» (2/90).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend