أعلم أنه لا يجوز للحائض دخولُ المسجد، ولكن هل إذا كانت غرفة مُخصَّصة للصَّلاة للنساء في الكُلِّيَّة هل يجوز ذلك؟ مع العِلْمِ أنه المكان الوحيد المُخصَّص للفتيات داخل الكُلِّيَّة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
ففي مَنْع الحائض من المكث في المسجد خلاف فقهيٌّ، والجمهور على منع ذلك، فلم يُجيزوا للحائض أن تمكث في المسجد.
وأما مرورُها بالمسجد فلا بأس به عندهم، بشرط أن تأمن تلويثَ المسجد مما يخرج منها من الدم، وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد، فإنه لا يَحِلُّ لها أن تذهب لتستمع إلى حِلَق الذِّكر وقراءة القُرْآن، اللهمَّ إلا أن يكون هناك موضعٌ خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مُكبِّر الصوت، فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذِّكر.
وأجازه بعضُ أهل العِلْمِ إذا وُجد مقتضٍ كحضور مجلس علمٍ أو نحوه، ومنهم زيد بن ثابت، وهو مذهب داود المُزَني وابن حزم، واحتجُّوا بأدلةٍ منها: ما رواه البخاري عن عائشة أم المؤمنين: أن وليدةً سوداء كانت لِحَيٍّ من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله ﷺ فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش(1).
وقال أبو محمد بن حزم في «المحلى»: «قال علي: فهذه امرأة ساكنة في مسجد النَّبيِّ ﷺ، والمعهودُ من النِّساءِ الـحَيْضُ، فما منعها صلى الله عليه وسلم من ذلك ولا نَهَى عنه، وكلُّ ما لم ينهَ صلى الله عليه وسلم عنه فمُباح»(2).
ولو كان دخولُ المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك صلى الله عليه وسلم عائشة إذ حاضت، فلم يَنْهَها إلا عن الطواف بالبيت فقط، ومن الباطل المُتيقَّن أن يكون لا يَحِلُّ لها دخولُ المسجد فلا ينهاها صلى الله عليه وسلم عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف.
ومنها: ما رواه الجماعة عن عائشة ل قالت: قال لي رسول الله ﷺ: «نَاوِلِينِي الْـخُمْرَةَ مِنَ الْـمَسْجِدِ». فقلت: إني حائض. فقال: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ»(3).
قال الشوكاني في «نيل الأوطار»: «والحديث يدلُّ على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة، ولكنه يتوقَّف على تعلُّق الجارِّ والمجرور، أعني قولَه «مِنَ الْـمَسْجِدِ» بقوله «نَاوِلِينِي»(4).
وقد قال بذلك طائفةٌ مِن العلماء، واستدلُّوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تَعرِض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسةٌ، وأنها لا تمنع من المسجد إلا مخافة ما يكون منها.
ولعلَّ هذا هو الرَّاجح الذي نُفتي به، وإذا جاز هذا في المسجد جاز في المُصلَّى المذكور من باب أولى. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «نوم المرأة في المسجد» حديث (439).
(2) «المحلى» (2/186).
(3) أخرجه مسلم في كتاب «الحيض» باب «جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه» حديث (298).
(4) «نيل الأوطار» (1/286).