بين طهارة ونجاسة بول ما يؤكل لحمة

هل بولُ ما يُؤكل لحمُه وروثُه طاهرٌ كالإبل والبقر والغنم، لا يلزم غسله عن الثياب عند الوضوء؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذه من مسائل النظر بين أهل العلم، فمنهم من قال بطهارتها ومنهم من قال بعكس ذلك.
قال النووي رحمه الله: «وأما بولُ الحيوانات المأكولة اللحم وروثها فنجِسَان عندنا وعند أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما، وقال عطاء والنخعي والزهري ومالك وسفيان الثوري وزفر وأحمد: بوله وروثه طاهران»(1).
والصواب أن بول ما يؤكل لحمه وروثه كلُّه طاهر؛ مثل الإبل والبقر والغنم والصيد كله طاهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي في مرابض الغنم، ولما استوخم العرنيون في المدينة بعثهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها وألبانها حتى صَحُّوا(2).
وإذنه لهم بالشرب من أبوالها دليلٌ على طهارتها، وصلاتُه في مرابض الغنم دليل كذلك على طهارتها، ولكن نهى عن الصلاة في معاطن الإبل لا للنجاسة بل لأمر آخر، وهو كونها تعمل عمل الشياطين، فهي كثيرة النِّفَار والشرود، فتشوش قلب المصلي وتمنع الخشوع، فلا يأمن المصلي من أن تشوش عليه صلاته. وإلا فبولها وروثها طاهر. وهذا النهي محمول عند أكثر الفقهاء على الكراهة(3)، وحمله الحنابلة على التحريم(4).
والأصل في ذلك ما في «صحيح مسلم» عن جابر بن سمرة: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نَعَمْ». قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لَا»(5).
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/492) :(وبول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر … قال مالك: لا يرى أهل العلم أبوال ما أكل لحمه وشرب لبنه نجساً …. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم ، إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها)
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة ( (6/414) :بول ما يؤكل لحمه طاهر ، فإذا استعمل في البدن لحاجة فلا حرج من الصلاة به” انتهى .
هذا. ويحسن الاحتياط في الجلَّالَة وغسل ما أصاب ثيابَه من بولها وروثها احتياطًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________
(1) «المجموع» (2/566-568).
(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الوضوء» باب «أبوال الإبل» حديث (233)، ومسلم في كتاب «القسامة والمحاربين والقصاص والديات» باب «حكم المحاربين والمرتدين» حديث (1671)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ناسًا من عُرَيْنَة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِـهَا». ففعلوا، فصحُّوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدُّوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في أثَرِهِم، فأُتِيَ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسَمَلَ أعيُنَهُم وتركهم في الحَرَّةِ حتى ماتوا.
(3) جاء في «تبيين الحقائق شرح كمز الدقائق» (1/164) من كتب الحنفية: «وتكره في قوارع الطريق ومعاطن الإبل والمزبلة والمجزرة».
وجاء في «مواهب الجليل شرح مختصر خليل» (1/419) من كتب المالكية: «تكره الصلاة في أربعة عشر موضعا… وخامسها: معاطن الإبل».
وجاء في «نهاية المحتاج» (2/62) من كتب الشافعية: «(و) تكره (الصلاة في الحمام) (و) في (عطن الإبل) ولو طاهرا».
(4) جاء في «الروض المربع» (ص79): «(ولا تصح الصلاة) بلا عذر فرضا كانت أو نفلا غير صلاة جنازة (في مقبرة)… (و) لا في (حمام) داخله وخارجه وجميع ما يتبعه في البيع (وأعطان إبل)».
(5) أخرجه مسلم في كتاب «الحيض» باب «الوضوء من لحوم الإبل» حديث (360).

تاريخ النشر : 19 أغسطس, 2025
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend