هل يُعذر الجاهل والمخطئ والنَّاسي مطلقًا مهما كان؟ كأن صلَّى ولا يعلم بمشروعيَّة الغسل وهو يستمني؟ فهل يُعيد كلَّ صلواته؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فالجهل منه ما يُعذر به صاحبُه ومنه ما لا يُعذر به، فالجهل بالتَّوْحيد عند أصحاب الملل الأخرى لا يُعذر به أصحابه؛ ولهذا كان عوامُّ أهل الملل الأخرى كُفَّارًا وإن كانوا جاهلين! بخلاف الجهل ببعض فروع التوحيد عند أهل القبلة فإنهم يعذرون بذلك إذا وجد مُقتض لهذا العذر من شيوع جهالة أو فشو بعض دعوات الضلالة وفتور آثار الرسالة ونحوه. ومنه ما يُعذر به أصحابه كالجهل بكثيرٍ من فروع الشَّرائع التي لا يعقلها إلا العالمون.
ومن كان لا يعلم بمشروعيَّة الغسل فلا يلزمه أن يُعيد الصَّلاة إذا كان مثلُه يُعذر بجهله، كحديث العهد بالتَّوبة، أو من نشأ في ديار الكفر بعيدًا عن منابع النُّور والهدى ونحوه، فإن القرآنَ نذيرٌ على مَن بلغه، فلا يثبت حكم الخطاب في حقِّ الـمُكلَّف إلا إذا بَلَغه، وقد قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]
وإن كان جمهور أهل العلم على الإعادة وهو الأحوط(1)، ومن المعلوم أنه يندب دعوة المكلف إلى العمل بالأحوط خروجًا من الخلاف. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) جاء في «مغني المحتاج» للخطيب الشربيني من كتب الشافعية (1/308-309): «(ويبادر بالفائت) ندبًا إن فاته بعذر كنوم ونسيان، ووجوبًا إن فاته بغير عذر على الأصح فيهما تعجيلًا لبراءة ذمته، وقيل: المبادرة مستحبة فيهما، وقيل: واجبة فيهما، وعن ابن بنت الشافعي أن غير المعذور لا يقضي لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» متفق عليه. وحكمته التغليظ عليه، وهو مذهب جماعة».