الدم إذا وقع على الملابس

ما حكم دم الغير إذا وقع على ملابسي؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فالراجح في الدم أنه ليس بنجس، وإن كان من أهل العلم مـن حكى الإجماع على نجاسته، إلا أن ذلك موضع نظر؛ لما يلي:
أولًا: أن الدم مما تعُم به البلوى، ومع ذلك لم يرد الأمر بغسله ولا بتوقيـه وتجنبه.
ثانيًا: أن الصحابة كانت تُصيبهم الجراح، ومع ذلك لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم  بغسل أثر الدم أو الوضوء، ولو فُرِض عدمُ علم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك لا يخفى عمن لا تخفى عليه خافية سبحانه، فيُصحح الخطأ ويرفع الإيهام.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر رضي الله عنه  قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني في غزوة ذات الرقاع- فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين، فحلف –يعني المشرك- أن لا أنتهي حتى أهريق دمًا في أصحاب محمد. فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم  منزلًا فقال: «مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟»(1) فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: «كُـونا بِـفَـمِ الشِّعب». قال: فلما خرج الرجلان إلى فَـمِ الشعب اضطجع المهاجري، وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل، فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه، حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الــدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟! قال: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها(2).
وقد صلى عمر رضي الله عنه  بعد ما طُعن وجُرحه يثعب دمـًا(3). يعني يصب صبًّـا.
ولذا قال الحسن: «ما زال المسلمون يُصلُّـون في جراحاتهم». رواه البخاري تعليقًا، ورواه ابن أبي شيبة موصولًا(4).
وروى البخاري هذه الآثار تعليقًا فقال: وعَصَر ابن عمر بثرة(5) فخرج منها الدم ولم يتوضأ. وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته. وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه(6). أي: ليس عليه الوضوء من خروج الدم.
فهذه الأدلة وغيرها تدل على أن الدم ليس بنجس، وليس بناقض للوضوء من باب أولى.
ويُستثنى من ذلك دم الحيض فهو نجس، وما خرج من أحد السبيلين القبل أو الدبر؛ لملاقاة النجاسة. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) أي يحفظنا ويحرسنا. انظر «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (1/230).

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/343) حديث (14745)، وأبو داود في كتاب «الطهارة» باب «الوضوء من الدم» حديث (198). وحسنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (198).

(3) أخرجه مالك في «موطئه» (1/39) حديث (82)، وصححه الألباني في «الإرواء» (209).

(4) أخرجه البخاري معلقًا في كتاب «الوضوء» عقب باب «مَن لم ير الوضوء إلا من الـمَخرجين من القبل والدبر»، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/127) حديث (1459) بلفظ: أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلًا.

(5) هي خُرَّاجٌ صغير. انظر «فتح الباري» (1/282)

(6) أخرجها البخاري معلقة في كتاب «الوضوء» عقب باب «مَن لم ير الوضوء إلا من الـمَخرجين من القبل والدبر».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend