التيمم بغير التراب

أمي كبيرة في السن، وعندها إصابة في رِجليها، وتجلس في أغلب الأحوال في بيتها وحدَها، ويسكن أغلبنا في محافظات أخرى، ولكن أخي وحفيدها يكونان معها أحيانًا، وهي عندما تكون وحدها لا تستطيع الوضوء؛ فتقوم بالتيمم، وأحضرنا لها حَجَرًا لتقوم بالتيمم عليه؛ لأن الرمل يؤذيها، فهل ما نفعله جائز؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن التيمم رُخصةٌ عندَ فقدِ الماء أو العجزِ عن استعماله؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43] والتيمم يكون بالصعيدِ الطيبِ.
وقد اختلف العلماءُ في المقصودِ به؛ فذهب الحنفية(1) إلى أنه الترابُ وما كان من جنسِه كالرمل والزرنيخ والنُّورة، وذهب المالكية(2) إلى أنه ما صعد- أي: ظهر- على الأرض من أجزائها من تراب ورمل وحجر؛ لقوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43]، والصعيد- كما يقول أهل اللغة- هو وجه الأرض، ترابًا كان أو غيره. ولقوله صلى الله عليه وسلم : «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»(3)، وظاهرُه يقتضي أن التيممَ يصح بكل ما كان مِن أجزاء الأرض، والحجرُ من أجزاءِ الأرض، وخصَّه الشافعيُّ(4) وأحمدُ(5) بالتراب؛ لما رواه مسلمٌ عن حذيفةَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «وَجُعِلَتْ لَـنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَـنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْـمَاءَ»(6).
وروى أحمد والبيهقي- وحسَّن إسنادَه الحافظُ ابنُ حجر- عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا»(7).
والاحتياط أن يكون بالتراب؛ خروجًا مِن الخلاف، ولكن إذا كانت الوالدةُ– شفاها الله- تتضرر بالتراب فلا حرجَ في تيممها على الحجر، ونسأل الله تعالى أن يمسحَ عليها بيمينه الشافية، وأن يجمع لها بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) قال في «الهداية» (1/127-129): «(ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ. وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل)».

(2) قال العدوي في «الشرح الكبير» (1/155-156): « (و) لَزِم (صعيد) أي استعماله (طهر) وهو معنى الطيب في الآية، والصعيد: ما صعد، أي: ظهر من أجزاء الأرض (كتراب وهو الأفضل) من غيره عند وجوده (ولو نقل) ظاهره أنه أفضل حتى عند النقل، وليس كذلك؛ إذ مع النقل يكون غيره من أجزاء الأرض أفضل منه فيجعل مبالغة فيما تضمنه قوله: كتراب من الجواز لا في الأفضلية، ومثل التراب في النقل السباخ والرمل والحجر، والمراد بالنقل هنا أن يجعل بينه وبين الأرض حائل وسيأتي معنى النقل في المعدن».

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» حديث (438)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» حديث (521)، من حديث جابر بن عبد الله ب.

(4) قال المحلي الشافعي في «شرح المنهاج» (1/99-100): «(يتيمم بكل تراب طاهر) قال تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43] أي: ترابًا طاهرًا كما فسره ابن عباس وغيره. وطاهر هنا بمعنى الطهور لما سيأتي في نفي التيمم بالمستعمل. (حتى ما يداوَى به) كالطين الإرمني بكسر الهمزة وفتح الميم، ومن شأن التراب أن يكون له غبار. (وبرمل فيه غبار) لأنه من طبقات الأرض فهو في معنى التراب بخلاف ما لا غبار فيه (لا بمعدن) كنورة وزِرنيخ بكسر الزاي (وسحاقة خزف) وهو ما يتخذ من الطين ويشوى كالكيزان لأنه ليس في معنى التراب. (ومختلط بدقيق ونحوه) لأن الخليط يمنع وصول التراب إلى العضو (وقيل: إن قل الخليط جاز) كما في الماء (ولا بمستعمل على الصحيح)»

(5) جاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (1/172): «(فصل: ولا يصح التيمم إلا بتراب طهور) لقوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6]وما لا غبار له كالصخر لا يمسح بشيء منه. وقال ابن عباس: (الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر) يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم «جعل لي التراب طهورًا». رواه الشافعي وأحمد من حديث علي وهو حديث حسن، فخص ترابها بحكم الطهارة وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه».

(6) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» حديث (522) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .

(7) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/98) حديث (763)، والبيهقي في «الكبرى» (1/213) حديث (965)، وحسنه الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1/148).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend