استخدامُ الكريمات والعطور والـمُنظِّفات والشامبوهات والـمُرطِّبات المحتوية على نسبة من الكحول

هل يجوز لنا استخدامُ الكريمات والعطور والـمُنظِّفات والشامبوهات والـمُرطِّبات وما شابه ذلك مما يَدخُل في تركبيه الكحول؟ وما حكم صلاة من استخدمها؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيتفرع القول في ذلك على القول في طهارة الكحول ونجاسته من ناحية، وكونه من المسكرات أم لا من ناحية أخرى، وكلتا القضيتين موضع نزاع:
أما الأولى فالنزاع فيها مشهور، فجمهور أهل العلم على أنه نجسٌ لا يجوز مُباشَرتُه(1)، ومنهم من ذهب إلى أن نجاستَه معنويَّةٌ ولكنه طاهرُ العين، كنجاسة الأنصاب والأزلام(2) والمشركين(3)؛ لأن الله تعالى جمعها مع الميسر والأنصاب والأزلام، وأخبر عن ذلك كله بأنه ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]، ومعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجاستها حسية، بل معنوية. ولعل أسَدَّ القولين بالصواب هو القول بطهارته، لامتلاء شوارع المدينة وطرقاتها بالخمرة المراقة عندما نزل تحريمها(4)، ولو كانت من النجاسات لكان الاحتياط في التخلص منها. وإذا كانت طاهرة فلا يلزم إزالتها من بدن المصلي أو من ثيابه.
وأما الثانية: فهي موضع نظر الخبراء، وصفوة القول فيها هو ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، فإن له قرارًا في هذه القضية هذا نصه:
أولًا: لا يجوز استعمال الخمرة الصرفة دواء بحال من الأحوال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللهَ لَـمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»(5)، ولقوله: «إِنَّ الله أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»(6). وقال لطارق بن سويد لما سأله عن الخمر يُجعل في الدواء: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ»(7).
ثانيًا: يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها، بشرط أن يصفها طبيب عدل، كما يجوز استعمال الكحول مطهرًا خارجيًّا للجروح، وقاتلًا للجراثيم، وفي الكريمات والدهون الخارجية.
أما بالنسبة لاستخدام العطور المشتملة على الكحول: فالنصوص الواردة في تحريم استعمال الخمر مطلقًا لا تتناولها، إنما تتناول الخمر، وهي ما يُشرَب عادة للسكر، فكل ما كان كذلك يحرم استعماله بأي وجه من وجوه الاستعمالات، أما العطور المشتملة على الكحول فلا يحل شربها، ويجوز استعمالها لغير الشرب، كما تستعمل لتطهير الجروح، وغير ذلك.
وكون هذه العطور مشتملة على مادة تزيل العقل لو دخلت الجسم، ليس دليلًا على تحريم استعمالها في غير ذلك، ونظير هذا استعمال بنزين السيارات، فهذه المادة تشتمل على ما يزيل العقل، وكذلك بعض الأصماغ والأصباغ والمواد الكيماوية المستعملة في كثير من الأمور، قد اكتُشف أنها تزيل العقل كما تصنع الخمر في الإنسان، لكنها ليست خمرًا لغةً ولا عرفًا، بل هي سموم قاتلة؛ ولهذا لا يحرم استعمال هذه المواد في غير تعمد إزالة العقل بها، فكذلك العطور: يحرم استعمالها لإزالة العقل، ولا يحرم لغير ذلك؛ عملًا بالبراءة الأصلية.
وهي موضع نظر كذلك، وأهل العلم فيها ما بين مُجيز ومانع، هذا وقد أشار المجمع الفقهي بالهند إلى طهارة العطور المشتملة على كحول ومشروعية استخدامها، وهذا نص قراره:
«ثالثًا: المادة الكحولية المستخدمة في العطور لا تكون- كما يقول الخبراء– مسكرة؛ وعليه فإنها ليست من المواد النجسة وغير الطاهرة».
وأشار آخرون إلى تحريمها بناء على أن المادة الكحولية التي تتضمنها مُسكرة. فصفوة القول أنها من المشتبهات، وقد تقرر عند أهل العلم أنه يندب دعوة المكلف للعمل بالأحوط خروجًا من الخلاف، ولهذا فمن اتَّقاها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن استخدمها تقليدًا للمجيزين فإن له مُستمسكًا فلا ينكر عليه.
وبناءً على ما سبق إن تيسَّرت لكم بدائلُ لا يدخل الكحول في تركيبها كان هذا أَوْلى وأطيب؛ خروجًا من الخلاف والتماسًا لبراءة الذِّمَّة، وإن لم يتيسَّرْ فلا حرج في استخدامها للحاجة؛ تخريجًا على من أفتى بطهارتها، وهو قولٌ قويٌّ ومُتوجِّهٌ.
ونسأل الله تعالى لجميع المسلمين الشفاء من كل داء، شفاءً لا يُغادر سقمًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) قال في «الهداية» متحدثًا عن الخمر (10/95): «والرابع: أنها نجسة نجاسة غليظة كالبول لثبوتها بالدلائل القطعية على ما بينا».

وقال المحلي في «شرح المنهاج» (1/78-80): « باب النجاسة (هي كل مسكر مائع) كالخمر، وهي المتخذة من ماء العنب، والنبيذ كالمتخذ من الزبيب».
وقال ابن قدامة في «المغني» (9/171): «فصل: والخمر نجسة في قول عامة أهل العلم؛ لأن الله تعالى حرَّمها لعينها، فكانت نجسة، كالخنزير. وكل مسكر فهو حرام نجس ؛ لما ذكرنا».

(2) قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].

(3) قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: 28].

(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المظالم والغصب» باب «صب الخمر في الطريق» حديث (2464)، ومسلم في كتاب «الأشربة» باب «تحريم الخمر» حديث (1980) من حديث أنس رضي الله عنه  قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها. فخرجت فهرقتها فجَرَت في سكك المدينة.

(5) أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (12/402) حديث (6966)، والبيهقي في «الكبرى» (10/5) حديث (19463) من حديث أم سلمة، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/86) وقال: «رجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق، وقد وثقه ابن حبان»، وأخرجه البخاري معلقًا في كتاب «الأشربة» عقب باب «شرب الحلواء والعسل» موقوفًا من قول ابن مسعود رضي الله عنه .

(6) أخرجه أبو داود في كتاب «الطب» باب «في الأدوية المكروهة» حديث (3874) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، وأخرجه الطبراني في «الكبير» (24/254) حديث (649) من حديث أم الدرداء ل، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/86) وقال: «رواه الطبراني ورجاله ثقات»، وابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/336) وقال: «سنده حسن»

(7) أخرجه مسلم في كتاب «الأشربة» باب «تحريم التداوي بالخمر» حديث (1984).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend