ممارسة المرأة السباحة في الأماكن العامة

هل يجوز للمرأة السباحة في الأماكن العامة مع لبس المايوه الإسلامي؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فليست السباحة في ذاتها من المحرمات، ولكن لما قد تُفضي إليه في الأعمِّ الأغلب من كشفِ العورات؛ ولهذا ورد النهيُ عن ذهاب النساء إلى الحمامات؛ لما يغلب عليها من عدم التصون وكشف العورات.
فعن عائشة رضي الله عنها: أن نسوةً من أهل حِمْص استأذن عليها، فقالت: لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات؟! سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَدْ هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله»(1).
والمقصود بذلك عندما تضعُ ثيابها في مقام الرِّيبة، كما لو كان ذلك في مقام الفاحشة، أو في موضع تكون مَظِنة لاطلاع أجنبيٍّ عليها.
قال المناوي في «فيض القدير»: «والظاهر أن نزعَ الثياب عبارة عن تكشفها للأجنبيِّ لينال منها الجماع أو مقدماته، بخلاف ما لو نزعت ثيابها بين نساء مع المحافظة على ستر العورة؛ إذ لا وجه لدخولها في هذا الوعيد»(2). انتهى.
ولهذا يشترط لحِلِّ السباحة بالنسبة للنساء ما يلي:
ستر العورة بما لا يشِفُّ ولا يصفُ؛ لقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31].
وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي المَرْأَةُ إِلَى المَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ»(3).
وقد أخرجَ الطبراني في «الأوسط» قوله صلى الله عليه وسلم: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ؛ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَإِنَّهَا لَا تَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الله مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا»(4).
والمعنى أن المرأة ما دامت في خِدرها، فذلك خيرٌ لها وأستر، وأبعد عن فتنتها والافتتان بها، فإنها إذا خرجت طمعَ فيها الشيطان فأغواها، وأغوى بها الناس إلا من رحم الله؛ لأنها تعاطت شيئًا من أسباب تسلُّطه عليها وهو خروجها من بيتها.
وقد سبقت الإشارة إلى ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن عائشة رضي الله عنها: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَدْ هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله»(5).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ببلاد الحرمين: مراده صلى الله عليه وسلم والله أعلم: مَنْعها من التساهُل في كَشْفِ ملابسها في غير بيت زوجها على وجه تُرى فيه عورتها، وتُتهم فيه لقصد فعل الفاحشة ونحو ذلك. أما خلعُ ثيابها في محلٍّ آمن، كبيت أهلها ومحارمها لإبدالها بغيرها، أو للتنفس، ونحو ذلك من المقاصد المباحة البعيدة عن الفتنة- فلا حرج في ذلك.
عورة المرأة عند المرأة المسلمة:
جمهور العلماء من المالكية(6)، والحنابلة(7)، ‏والشافعية(8)، وهو أصح الروايتين عن الحنفية(9)، على أن عورة المرأة عند المرأة المسلمة: ما بين السرة ‏والركبة.
ولذا يجوزُ لها النظرُ إلى جميع بدنها عدا ما بين هذين العضوين؛ وذلك لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبًا، ولكن يحرم ذلك مع الشهوة وخوفِ الفتنة.
قال المرداوي في «الإنصاف»: «قوله: وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظرُ إلى ما عدا ما بين السرة والركبة: يجوز للمرأة المسلمة النظر من المرأة المسلمة إلى ما عدا ما بين السرة والركبة. جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمصنف هنا، وصاحب الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وشرح ابن منجا وغيرهم، وقدمه في الرعاية الكبرى. والصحيح من المذهب أنها لا تنظر منها إلا إلى غير العورة، وجزم به في المحرر والنظم والمنور. ولعل من قطع أولًا أراد هذا. لكن صاحب الرعاية غاير بين القولين، وهو الظاهر. ومرادهم بعورة المرأة هنا كعورة الرجلِ على الخلاف. صرح به الزركشي في شرح الوجيز». انتهى.
وفي الباب رواية عن أبي حنيفة، وذهب إليها بعض أهل العلم: أن المرأة تنظر من المرأة ما يراه الرجل من محارمِه، وهو مواضع الزينة(10). فتنظر إلى الرأس والوجه والعنق والعضد والساق.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «وحدود عورةِ المرأة عند المرأة ما بين السرة والركبة. ولكنَّ لا يعني ذلك أننا نُجوِّز للمرأة أن تلبس ثيابًا لا تستُر إلا ما بين السرة والركبة، ولكن فيما لو أن امرأةً خرج ساقها لسبب وأختها تنظر إليها وعليها ثوب سابغ، أو خرج شيء من رقبتها أو من نحرها وأختها تنظر فلا بأس بذلك، فيجب أن نعرف الفرق بين العورة وبين اللِّباس، اللباس لابد أن يكون سابغًا بالنسبة للمرأة، أما العورة للمرأة مع المرأة فهي ما بين السرة والركبة»(11).
وفي «فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية»: يجب على المرأة أن تتخلَّق بخُلُق الحياء الذي جعله النبيُّ من الإيمان وشعبةً من شعبه(12)، ومن الحياء المأمور به شرعًا وعرفًا تستُّر المرأة واحتشامها وتخلقها بالأخلاق التي تُبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة.
وقد دلَّ ظاهر القرآن على أن المرأة لا تُبدي للمرأة إلا ما تُبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة، كما قال تعالى: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31].
وإذا كان هذا هو نصُّ القرآن وهو ما دلَّت عليه السُّنة، فإنه هو الذي جرى عليه عملُ نساء الرسول ونساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا.
وما جرت العادةُ بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو: ما يظهر من المرأة غالبًا في البيت وحال المهنة ويشقُّ عليها التحرز منه؛ كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين.
عورة المسلمة عند غير المسلمة:
أما عورة المسلمة بالنسبة لغير المسلمة فهو موضعُ نظرٍ بين الفقهاء: فمنهم من جعلَ عورةَ المسلمة أمام غير المسلمة كعورتها أمام الرجال الأجانب، ومنهم من سوَّى في ذلك بينها وبين المرأة المسلمة.
وسبب النزاع في ذلك هو اختلافهم في تفسير قوله تعالى: { أَوْ نِسَائِهِنَّ}هل المراد به نساء المسلمين؟ أم أن المراد به جملة النساء، فيشمل غير المسلمة أيضًا؟
واستدل الفريقُ الأول بأن قوله تعالى: { أَوْ نِسَائِهِنَّ}يُراد به المسلمات لا غير، بدليل ما رُوِيَ عن مجاهد وابن عباس وغيرهم من السلف، وقد ضعف ذلك من حيث الرواية.
واستدلَّ الفريقُ الآخر أن كلمة { نِسَائِهِنَّ}  تعني جميع النساء، وليس فقط المسلمات.
قال ابن قدامة: «وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء، ولا فرق بين المسلمين، وبين المسلمة والذميَّة، كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر.
قال أحمد: ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضعُ خمارَها عند اليهودية والنصرانية.
وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظُر إلى الفرج، ولا تقبلها حين تلد»(13).
أي: لا تكون قابلةً؛ لأنها ستطَّلعُ على العورة المغلظة عند الولادة إلا في حالات الضرورة كما تقدم.
وذكر أبو بكر بن العربي المالكي القولين في تفسير { أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] ثم قال في «أحكام القرآن»: «والصحيح عندي أن ذلك جائزٌ لجميع النساء»(14).
واختاره الرازي في «تفسيره»، وقال: «هذا هو المذهب»(15). أي مذهب الشافعي.
وحمل قول من نقل عنه خلاف ذلك من السلف على الاستحباب، وعلق على هذا الألوسي في تفسيره «روح المعاني»: «وهذا القول أرفق بالناس اليوم، فإنه لا يكادُ يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات»(16).
وهذا الصواب؛ لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن كن يدخُلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكُنَّ يحتجبن ولا أمرن بحجاب.
وثبت في الصحيحين: أنه قد جاءت يهودية تسأل أمنا عائشة رضي الله عنها، فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت أمُّنا عائشةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم… وذكر الحديث(17).
وثبت في الصحيحين كذلك: أن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت عليَّ أمي وهي راغبة- يعني عن الإسلام- فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَصِلُها؟ قال: «نَعَمْ»(18).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «لا يجب الاحتجابُ عنهن- أي: غير المسلمات- فهنَّ كسائر النساء في أصح قولي العلماء»(19) . اهـ.
وصفوة القول أنه ليس في حجبِ المسلمة عن غير المسلمة نصٌّ صريح أو قياس صحيح. أما النصُّ الصريح فلا وجود له؛ لأن قوله تعالى: { أَوْ نِسَائِهِنَّ} يحتمل التفسيرين كما ذكرنا، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. أما القياس الصحيح فلا يوجد أيضًا، فليس من القياس الصحيح مساواة غير المسلمة بالرجل الأجنبي، من جهة النظر إلى المسلمة ووجوب الحجاب عليها؛ للفرق الواضح بينهما من حيث الذكورة والأنوثة. فلعل الراجحَ في هذا هو التسويةُ بين المسلمة وغير المسلمة في ذلك.
أما عن صفة الحجاب الشرعي: فقد صار ذلك في أوساط أهل الدين من المعلوم بالضرورة من الدين، فالحجاب الشرعي يجب أن يستوعب حميع بدن المرأة- على خلاف في الوجه والكفين عند أمن الفتنة- بما لا يشفُّ، ولا يصفُ، ولا يُعَدُّ زينةً في نفسه، ولا يتضمن تشبهًا بالرجال، ولا بغير المسلمات فيما هو من خصائصهن.
وقد صدر قرار عن المجمع في تفصيل القول في ذلك، ونعيد ذكره تتميمًا للفائدة:
• أن يستوعب جميع البدن، على خلاف في الوجه والكفين عند أمن الفتنة.
• ألا يكون زينة في نفسه.
• أن يكون واسعًا لا يصف.
• أن يكون صفيقًا لا يشف.
• ألا يكون مطيبًا.
• ألا يشبه لباس الرجال أو غير المسلمات فيما يخصهن.
• ألا يكون لباسَ شهرة لونًا أو شكلًا، وهو ما يقصد به العُجب أو يؤدي إليه، ويكون بما خرج عن المألوف، وكان لافتًا للنظر.
• لا يجوز للمرأة أن تلبس البنطال بصورته الشائعة أمام الأجانب؛ لأنه يظهر مفاتنها، ولكن لها أن تتسرول بسراويل واسعة لا تصف، وصفيقة لا تشفُّ، إذا كان فوق السروال ثوب سابغ إلى الركبتين.
تجنب مخالطة الرجال أثناء ممارسة هذه الرياضة، والاختلاط تعبيرٌ مجمل، منه ما يحل ومنه ما يحرم، وقد صدر قرار من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا بتفصيل القول في قضية الاختلاط نسوقه بنصه تتميمًا للفائدة:
• الاختلاط تعبير مجمل، منه ما يحل ومنه ما يحرم، ومن هذا وذاك ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه.
• فإن قصد به مجرد اجتماع الرجال والنساء في أماكن مفتوحة لأداء عمل مشترك دينيًّا كان أو دنيويًّا، وروعيت فيه الآداب الشرعية من الحجاب وغض البصر ونحوه، ورتب المجلس بما يُعين على ذلك، فلا حرج فيه، ومن ذلك اجتماع الرجال والنساء في الخلاء لشهود العيدين، وحول المشاعر في الحج، وفي مجالس العلم المفتوحة، سواء أكان ذلك في المسجد أم في غيره، وخروج النساء لقضاء حوائجهن في مجامع الناس، مع ملاحظة التزام النساء بالحجاب وكونهن متباعداتٍ عن الرجال ما أمكن، والتزام الفريقين بالصيانة وغض البصر، ومع التأكيد على أهمية الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية، فإن هذا أحفظُ للقيم، وأبعد للفتن، وأقطع للذرائع، وأدعى إلى اجتماع الذهن على طلبِ العلم، وقد بدأت تنتبه إلى ذلك بعض المؤسسات التعليمية في المجتمعات الغربية.
• أما إن قصد به اختلاط الفريقين وتخلُّل صفوفهما، فذلك على أصل المنع، ما لم تدع إليه ضرورةٌ أو شدةُ حاجة شرعية معتبرة، ومن الحاجات ما هو منصوص عليه، ومنها ما هو مقيس عليها. ومن ذلك ما يكون في الحروب أو التقاضي أو التطبيب ونحوه، مع ملاحظة أن الضرورات والحاجات تُقدَّر بقدرها.
• ومتى كان الاختلاط مباحًا، لضرورة أو لحاجة معتبرةٍ فإن هناك ضوابط ينبغي أن تراعى في كل أحواله، ومنها: غض البصر، وتجنب الفحش والعبث، وتحريم الخلوة وتلامس الأبدان، ومنع التزاحم، والالتزام بالصيانة وستر العورات، وأن ترتب المجالس بما يُعين على غض البصر ما أمكن.
• وهناك عوامل تؤثر في هذا الباب تضييقًا وتوسيعًا، فإن الذي يظهر من النظر في النصوص وعمل السلف أن أمر الاختلاط يختلف بحسب أعمار الرجال والنساء، والحاجة الداعية إليه، والمناخ الذي يوجد فيه من حيث وجود الفتنة وعدمها، والضابط في ذلك هو الموازنةُ بين المصالح والمفاسد، وعلى المكلف في هذه الحالات أن يستفتي أهلَ العلم في الواقعة المعينة وأن يصدر عن فتواهم في ذلك.
• وصفوة القول في ذلك أنه يجبُ الاحتياط للقيم الإسلامية التي دلَّ عليها الشرع، كالفضيلة والعفاف والستر والصيانة، مع مراعاة الحاجة إلى اشتراك المرأة والرجل في مجالات فعلِ الخير والتعاون على البر والتقوى، والدعوة والإصلاح، وفي مثل هذا تقدُّم المصلحة الراجحة على المفسدة المتوهمة.
الأمن من اطلاع الرجال على النساء أثناء ممارسة هذه الرياضة، ولا يكاد ذلك يتوفر إلا في مسابح البيوت، أو الأندية النسائية المغلقة، مع كون القائمين عليها من الثقات في هذا الباب، وما أندر ذلك وما أقله.
غض البصر عما انكشف من العورات في هذه الأماكن، فقد قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].
وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِيَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِيَ المَرْأَةُ إِلَى المَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ»( 20).
وقد سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رحمه الله: ما حكم ذهاب المرأة للحمام المُعد للاستحمام خارج البيت؟
فأجاب: كانت الحمامات القديمة موجودة في البلاد الباردة، كالشام ومصر والعراق وخُراسان وتُركيا وغيرها، وهي عبارة عن بيوت محفور لها في الأرض، وتكون عادة مُظلمة قبل وجود الكهرباء، ويوجد فيها الماء الساخن الذي هو بطبعه يكون في الشتاء ساخنًا كمياه الآبار، ويُحتاج إليها إلى الاغتسال من جنابة أو للنظافة ونحو ذلك، وقد مَنَع الذهاب إليها كثير من العلماء لما فيها من كشف العورات، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا كراهة في الذهاب إليها للحاجة الشديدة، فلذلك رخَّص فيها للرجال وأباحها أيضًا للنساء عند الضرورة إذا لم يكن فيها اختلاط ولا كشف عورات أمام الناظرين، ولا مباشرة بعضهم لبعض. وفي هذه الأزمنة وُجدت الحمامات التي في داخل البيوت، وفيها السخَّانات ووجد أيضًا في الحمامات القديمة الأنوار الكهربائية التي لا يُتصور معها وجود ظلمة وحصول تصادم أو احتكاك من بعض الداخلين لبعض، فمتى كانت المرأة مُتسترة واحتاجت إلى الدخول في هذه الحمامات المُحصنة فنرى أن ذلك جائزٌ بقدر الحاجة. والله أعلم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «قال العلماء: يرخص للنساء في الحمام عند الحاجة، كما يرخص للرجال مع غض البصر وحفظ الفرج، وذلك مثل أن تكون مريضة أو نفساء أو عليها غسل لا يمكنها إلا في الحمام»(21).
وصفوة القول في النهاية: أن مدارَ الحل والحرمة في هذا الباب على التصوُّن وستر العورات، فمتى أمكن التيقُّن من ذلك كان الأمر على أصل الحل، ومتى حدث الشك في ذلك، أو اليقين بخلافه فهو على أصل المنع. والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 173) حديث (25446)، وأبو داود في كتاب «الحمام» حديث (4010)، والترمذي في كتاب «الأدب» باب «ما جاء في دخول الحمام» حديث (2803)، وابن ماجه في كتاب «الأدب» باب «دخول الحمام» حديث (3750)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 321) حديث (7780). وقال الترمذي: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (3442).

(2) «فيض القدير» (3/ 147).

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الحيض» باب «تحريم النظر إلى العورات» حديث (338).

(4) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (3/189) حديث (2890) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2688).

(5) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 173) حديث (25446)، وأبو داود في كتاب «الحمام» حديث (4010)، والترمذي في كتاب «الأدب» باب «ما جاء في دخول الحمام» حديث (2803)، وابن ماجه في كتاب «الأدب» باب «دخول الحمام» حديث (3750)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 321) حديث (7780). وقال الترمذي: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (3442).

(6) جاء في «شرح مختصر خليل» للخرشي (1/246): «وعورة الحرة مع حرة أو أمة ولو كافرة بالنسبة للرؤية ما بين السرة والركبة».

(7) جاء في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (8/24): « يجوز للمرأة المسلمة النظر من المرأة المسلمة إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ».

(8) جاء في «تحفة المحتاج شرح المنهاج» (7/200): «(والمرأة مع المرأة كرجل ورجل) فيحل حيث لا خوف فتنة ولا شهوة لها نظر ما عدا سرتها وركبتها وما بينهما».

(9) جاء في «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» (6/18): «وينظر الرجل إلى الرجل إلا العورة، وهي ما بين السرة والركبة …(والمرأة للمرأة والرجل كالرجل للرجل)، ومعناه المرأة والرجل للمرأة كالرجل للرجل أي نظر المرأة إلى المرأة والرجل كنظر الرجل إلى الرجل حتى يجوز للمرأة أن تنظر منهما إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل إذا أمنت الشهوة والفتنة».

(10) «البحر الرائق» (8/219).

(11) «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين» (12/268).

(12) فقد أخرج مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها» حديث (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ- أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً- فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْـحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».

(13) «المغني» (7/105-106).

(14) «أحكام القرآن» (3/1359).

(15) «تفسير الرازي» (3/207).

(16) «روح المعاني» (18/143).

(17) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «التعوذ من عذاب القبر في الكسوف» حديث (1050)، ومسلم في كتاب «الكسوف» باب «ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف» حديث (903).

(18) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد» حديث (1733).

(19) «فتاوى المرأة المسلمة» (2 / 582).

(20) أخرجه مسلم في كتاب «الحيض» باب «تحريم النظر إلى العورات» حديث (338).

(21) «مجموع الفتاوى» (15/380).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend