ما حكم قول «سمع الله لمن حمده» بعد قول الإمام: سمع لمن حمده؟ ومتى أُسلِّم بعد سلام الإمام؟ بعد الأول أم الثاني؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد اختلف أهلُ العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
1- أن الإمامَ والمنفردَ يجمعان بين التسميع والتحميد، ويقتصر المأمومُ على التحميد. وهذا مذهبُ الحنابلة(1)، واستدلوا بما يلي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة يُكبِّر حين يقوم، ثم يُكبِّر حين يركع ثم يقول: «سَمِعَ اللهُ لِـمَنْ حَمِدَهُ» حين يرفع صُلبَه من الركعة، ثم يقول وهو قائمٌ: «رَبَّنَا لَكَ الْـحَمْدُ». متفق عليه(2).
والمنفرد عندهم كالإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». رواه البخاريُّ من حديث مالك بن الحويرث t(3).
وأما المأموم؛ فلحديث أنسٍ مرفوعًا، وفيه: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِـمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْـحَمْدُ». متفق عليه(4).
2- أنه يجمع بين التسميع والتحميد كلُّ مُصَلٍّ. وهذا عند الإمامَيْن مالكٍ(5) والشافعيِّ(6)، واستدلُّوا بما يلي:
بحديثِ أبي هريرة المتقدم؛ ففيه الجمعُ بين التسميع والتحميد، وحديث مالك بن الحويرث يدلُّ على أنه يعمُّ كلَّ مصلٍّ.
3- أنه يقتصر على التسميع في حقِّ الإمام والمنفرد، والتحميدِ على المأموم. وهذا عند أبي حنيفة، واستدلَّ بحديث أبي هريرة المتقدم.
وقد رجَّح من المعاصرين الشيخُ محمد بن صالح العثيمين : قولَ الحنابلة فقال: «وعُلم من كلام المؤلف أن المأمومَ لا يقول: سمع الله لمن حمده. وهو كذلك، فإذا قال قائلٌ: ما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وقد كان يقول: «سَمِعَ اللهُ لِـمَنْ حَمِدَهُ»؟ فالجواب على هذا سهلٌ: وهو أن قولَه صلى الله عليه وسلم : «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» عامٌّ، وأما قولُه: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِـمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْـحَمْدُ» فهذا خاصٌّ، والخاصُّ يقضي على العامِّ؛ فيكون المأمومُ مُستثنًى من هذا العموم بالنسبة لقول «سمع الله لمن حمده»؛ فإنه يقول: «ربنا ولك الحمد» فقط. اهـ(7).
ورجَّح العلامة الألبانيُّ : قولَ مالكٍ والشافعيِّ فقال: «بل إنني أقول: إن التسميعَ في الاعتدال واجبٌ على كلِّ مُصلٍّ؛ لثبوت ذلك في حديث الـمُسِيءِ صلاتَه، فقد قال فيه: «إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِي، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِـمَنْ حَمِدَهُ. ثُمَّ يَسْتَوِي قَائِمًا حَتَّى يُقِيمَ صُلْبَهُ…» الحديث. أخرجه أبو داود والنسائيُّ والسياق له، وغيرهما بسند صحيح(8)»(9).
فالمسألة من مسائل الاجتهاد كما رأيت، والأمر فيها واسعٌ، وإن كان رأيُ الحنابلة أظهرَ.
أما التسليمُ فإنه يكون بعد فراغ الإمام من التسليمتين. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «المبدع» من كتب الحنابلة (1/396-399 ): «ثم يرفع رأسه قائلا: سمع الله لمن حمده ويرفع يديه – إن كان إماما أو منفردا، لأنه عليه السلام كان يقول ذلك – فإذا قام قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، فإن كان مأموما لم يزد على: ربنا ولك الحمد».
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «التكبير إذا قام من السجود» حديث (789)، ومسلم في كتاب «الصلاة» باب «إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة» حديث (392).
(3) سبق تخريجه (631).
(4) سبق تخريجه ليؤتم به» حديث (688).
(5) جاء في «حاشية الدسوقي» من كتب المالكية (1/345-346 ): «فيجمع بين التسميع والتحميد ويقنت في الصبح».
وجاء في «الفواكه الدواني» من كتب المالكية (1/180-181): «والحاصل: أن الفذ يجمع بين التسميع والتحميد».
(6) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/388- 394): «مذهبنا: أنه يقول في حال ارتفاعه: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائما قال: ربنا لك الحمد إلى آخره، وأنه يستحب الجمع بين هذين الذكرين للإمام والمأموم والمنفرد، وبهذا قال عطاء وأبو بردة ومحمد بن سيرين وإسحاق وداود».
وجاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (1/158): «قال صاحب الذخائر: ادعى ابن المنذر أن الشافعي خرق الإجماع في جمع المأموم بين سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد، وليس كما قال بل قال بقوله عطاء وابن سيرين وإسحاق وغيرهم. ا هـ قال ابن الملقن منهم أبو بردة وداود».
(7) «الشرح الممتع» لابن العثيمين (3/144).
(8) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» حديث (856)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وأخرجه النسائي في كتاب «التطبيق» باب «الرخصة في ترك الذكر في السجود» حديث (1136) من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه .
(9) «تمام المنة» للألباني ص191.