قول المأمومين في دعاء القنوت: سبحانك. عند الثناء على الله عز وجل

سؤالي يا سيدي عن قول المأمومين في دعاء القنوت: سبحانك. عند الثناء على الله عز وجل؟ هل له أصل في السنة؟ وهل قال به من أهل العلم من تُنقل عنهم الفتوى؟ وماذا عن قول من يرى أنه لا يُناسب المقام؛ لأنه لا يقال إلا بعد وصف الله بما لا يليق به لأنها تنزيه عن النقائص؟

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أن يؤمِّن المأمومُ على دعاء الإمام؛ لأن المؤمن بمنزلة الداعي، ولأن معنى التأمين: اللهم استجب. وفي مواضع الثناء يسكُت، أو يوافق الإمام في الثناء، أي أن يقول سرًّا مثل ما يقول الإمام.
قال النووي في «المجموع»: ((والمشاركة أولى؛ لأنه ثناء وذكر لا يليق فيه التأمين))(1). اهـ.
وقال أبو داود السجستاني رحمه الله في «مسائله» (475): ((ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺣﻤﺪ- يعني: ابن حنبل- ﺳﺌﻞ ﻋﻦ اﻟﻘﻨﻮﺕ؟ ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺠﺒﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﻘﻨﺖ اﻹﻣﺎﻡ ﻭﻳﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ، ﻗﻴﻞ ﻷﺣﻤﺪ: ﻗﺎﻝ: «اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺘﻌﻴﻨﻚ ﻭﻧﺴﺘﻐﻔﺮﻙ» ﻳﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ: ﺁﻣﻴﻦ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﺆﻣﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ التأمين)).اهـ.
وقال اﻹمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله كما في «مختصر الوتر»: ((وهذا الذي أختارُ: أن يسكتوا حتى يفرغ اﻹمامُ من قراءة السورتين، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أَمَّنوا))(2). اهـ.
وقد أجاز بعضُ أهل العلم أن يقول المأموم: سبحانك. في مواضع الثناء، ويمكن أن يؤخذ ذلك من حديث: «إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ». في رواية حذيفة لقيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل(3).
والتسبيح ثناء على الله عز وجل، والله تعالى أمَر بتسبيحه فقال: ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 42]، وقال: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: 17].
فالتسبيح من أنواع الذكر لله، ولا يلزم أن يكون بعدَ ورُود ما ينبغي تنزيه الله جل جلاله عنه، فالمأموم إذا قاله إنما يذكُر الله به حينما يُثني الإمام بهذه الألفاظ على الله سبحانه، فهو ذكر ابتدائيٌّ ليس تنزيهًا لله عما قاله الإمام.
ويمكن أن يكون تنزيهًا له أن يثبت له ما نفاه عنه الإمام، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]. فقوله: «سبحانك» جاء بعد النفي، أي سبحانك أن يثبت لك ما نفيناه عنك.
وصفوة القول أن المأموم يؤمن في مواضع الدعاء، وهي قوله: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ…». ويشارك الإمام في مواضع الثناء، وهي من أول قوله: «إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ»(4). أي يثني على الله في نفسه سرًّا، بأن يكرر ما يقوله الإمام، وإن قال: سبحانك. فلا حرج، ؛ لأنه ثناء على الله جل وعلا كذلك، وبمثل ذلك قال أهل العلم الذين تنقل عنهم الفتوى.
قال النووي رحمه الله في كتابه «المجموع»: ((ﻳﺆﻣِّﻦ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎﺕ اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺩﻋﺎء. ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺜﻨﺎء، ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ: «فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ…» ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ- ﻓﻴﺸﺎﺭﻛﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﻳﺴﻜﺖ، ﻭاﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻷﻧﻪ ﺛﻨﺎءٌ، ﻭﺫﻛﺮ ﻻﻳﻠﻴﻖ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺄﻣﻴﻦ)). اهـ.
يعني: يشاركه بقول هذا الثناء سرًّا.
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واﻹفتاء (7/ 48):
((ﻳﺸﺮﻉ اﻟﺘﺄﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎء ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻮﺕ، ﻭﻋﻨﺪ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻜﻔﻴﻪ اﻟﺴﻜﻮﺕ. ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻝ: ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﺃﻭ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- ﻓﻼ ﺑﺄﺱ)). اهـ.
وقالت اللجنة الدائمة أيضًا (7/ 185): ((يؤمن المأموم على دعاء اﻹمام، ويثني على الله سبحانه إذا أثنى إمامه على الله أو ينصت)). اهـ.
وقال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: ((فإذا ورد ثناء على الله عز وجل في قنوت الوتر، وقال المأموم: «سبحانك» فلا بأس)). اهـ.
ورد الشيخ الفوزان على من أنكر قول: «سبحانك» عند الثناء على الله في دعاء القنوت فقال:
((أقول ليس لهذا الاستنكار وجه لأمرين:
اﻷمر اﻷول: أن قول «سبحانك» ثناء على الله تعالى، والله تعالى أمرَ بتسبيحه، فقال: ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 42]، وقال: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]. فالتسبيح من أنواع الذكر لله، فالمأموم إذا قاله إنما يذكر الله به حينما يُثني اﻹمامُ بهذه اﻷلفاظ على الله سبحانه، فهو ذكرٌ ابتدائي ليس تنزيهًا لله عما قاله اﻹمام.
الأمر الثاني: وحتى لو قلنا إنه تنزيه لله، فإنه يعود إلى تنزيه الله عن ضدِّ ما قاله اﻹمام، فإذا قال: «لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ» فمعناه: تنزيه الله عن أن يذل من والاه أو يعز من عاداه، وكذلك في قوله: «إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ». فإن التسبيح معناه: تنزيهُ الله من أن يقضي عليه. فينبغي التنبُّه لذلك وعدم التسرع في اﻹنكار قبل التثبت)).
واختار الشيخ الألباني رحمه الله السكوتَ في موضع الثناء على الله تعالى فقال: ((يؤمن في موضع الدعاء، ويسكت في موضع الثناء على الله)). اهـ. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________________
(1) «المجموع» (3/474-483).
(2) «مختصر الوتر» ص150.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل» حديث (772) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «القنوت في الوتر» حديث (1425)، والترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في القنوت في الوتر» حديث (464)، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما. وقال الترمذي: «هذا حديث حسن».

تاريخ النشر : 29 سبتمبر, 2025
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend