لدينا مجلس شورى ملزم يدير المسجد مكوَّن من سبعة أعضاء الإمام أحدهم، يريدون فصل الإمام عن الشورى، فهل يجوز؟ وما هي شروط الشورى المعلمة والملزمة؟ وهل يجوز تعيين الإمام بعقد مؤقَّت مع عدم التجديد بدون سبب شرعي حسب ما تراه الشورى؟ الرجاء التفضل بالإجابة سريعًا لأهمية الأمر. جزاكم الله عنا كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأبدأ بالتأكيد على أهمية المحافظة على كرامة الأئمة في أوساط الجاليات الإسلامية، وأن ننزلهم منزلتهم وأن نقدرهم قدرهم، خاصة من كان منهم من المبرزين في العلم والديانة، فهم ورثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، والأمناء على شريعته، وأن ندرك أن توقيرهم من جنس تعظيم شعائر الله عز وجل وتعظيم حرماته، وأن نتدبر قول نبينا صلى الله عليه سلم: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَـمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِـمِنَا حَقَّهُ»(1). وقوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْـمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْـجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْـمُقْسِطِ»(2).
ثم نثني بعد ذلك فنقول: إذا اصطلح أهل الحَلِّ والعَقْد في الجالية التي أنشأت المسجد وتتولى ترتيب شئونه على تكوين مجلس شورى واتفقوا على نظام له؛ سواء أكانت الشورى فيه مُعلِمة أو مُلزِمة فلا حرج في ذلك، ما دام هؤلاء قد تحققت فيهم الديانة والعلم بمصالح الجالية؛ لأن هذا وغيره من التراتيب الإدارية ومسائل السياسة الشرعية التي يُقرِّر فيها الناس ما يرونه محقِّقًا لمصالحهم ودارئًا للمفاسد عنهم، والأصل في هذا وأمثاله أن يرجع إلى النظام الذي اتفق عليه المؤسسون لهذا المجلس، وليس في الشرع ما يمنع من إلزامها أو ما يفرضه، ولا يُنقَل الخلاف في إعلام الشورى وإلزامها الذي تحدث عنه الفقهاء في أبواب الإمامة العظمى إلى مثل هذه الاتفاقات الرضائية الاختيارية الجزئية التي تنشأ على مستوى الجاليات، وإنما يسترشد بها فحسب.
وأما تعيين الإمام بعقد مؤقَّت فهو من التراتيب الإدارية التي يختار فيها أهل الحل والعقد ما يحقِّق المصالح العامة للجالية وللمسجد، ويدرأ المفاسد عنهما، أما عدم التجديد دون سبب شرعي فهو كأي إجراء إداري تعسُّفي يعتبر خصومة ترفع إلى هيئة تحكيم لتفصل فيها بما يقيم العدل ويمنع الجور والبغي والاستطالة، وينبغي أن تستشار الجالية في هذا الفصل؛ حتى لا يكون مثار فتنة عندما تغضب الجالية للإمام ويصبح الناس في أمره فريقين يختصمون!
ونؤكد على ما بدأنا به من ضرورة أن تُحفَظ للأئمة مكانتُهم وتصان لهم حقوقهم، فهم القيادة الشرعية للمسجد وللجالية بأكملها عند خُلُو الزمان أو المحِلَّة من قيادة زمنية، وإن جاليةً تهين أئمتها ولا تجعلهم تاجًا فوق رؤوسها- وهم ورثة نبيها والأمناء على شريعته- ليست جديرة بما وُعِد به المتقون من العزة والتمكين. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/323) حديث (22807)، والحاكم في «مستدركه» (1/211) حديث (421)، من حديث عبادة بن الصامت t، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» ( 8/14) وقال: «رواه أحمد وإسناده حسن»، وابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/434) وقال: «أخرجه أحمد والحاكم وإسناده حسن».
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في تنزيل الناس منازلهم» حديث (4843) من حديث أبي موسى الأشعري t، وذكره ابن حجر في «تلخيص الحبير» (2/118) وقال: «إسناده حسن»، والعراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/491) وقال: «إسناد حسن».