بالنسبة لسنة الظهر القبلية هل تجمع الأربعة ركعات سويًّا في تسليم واحد؟ وإذا كانت تجمع فهل فيها تشهد أول أم لا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أن تُصلى النوافل مَثْنَى مَثْنَى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»(1)، وفي رواية: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى». رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه(2).
قال الإمام البخاري: «باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى، ويذكر ذلك عن عمار وأبي ذر وأنس وجابر بن زيد وعكرمة والزهري، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: «ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يُسَلِّمُون في كل اثنتين من النهار»(3). اهـ.
ولا حرج أن تُصلَّى النافلة التي قبل الظهر أربعًا بتسليمة واحدة، وكذلك صلاة الليل، يجوز أن تُصلَّى أربع ركعات بتسليمة واحدة؛ لعموم قول عائشة ل في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم : يُصَلِّي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلي ثلاثًا(4).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي أربع ركعات بعد الزوال لا يُسلِّم إلا في آخرهن، وقال: «إِنَّهَا تُفَتَّحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ»(5). وعند أبي داود: عن أبي أيوب، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفَتَّحُ لَـهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ»(6).
وثبت عن بعض الصحابة وتابعيهم كابن عمر ومولاه نافع وإبراهيم النخعي وغيرهم، أنهم كانوا يصلون الأربع قبل الظهر ويسلمون في آخرهن.
قال ابن قُدَامة: «والصحيح إنه إنْ تَطوَّع في النهار بأربع فلا بأس، فَعَل ذلك ابن عمر، وكان إسحاق يقول: صلاة النهار أَخْتَارُ أربعًا». اهـ(7).
ولكن الأصل والأفضل كما سبق أن تُصلَّى النوافل مثنى مثنى؛ للاختلاف في صحة حديث: وكان لا يسلم إلا في آخرهن؛ ولما جاء في «الموطأ» عن ابن عمر: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين(8). والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم (1137).
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/26) حديث (4791)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «في صلاة النهار» حديث (1295)، والترمذي في كتاب «الجمعة» باب «ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» حديث (597)، والنسائي في كتاب «قيام الليل وتطوع النهار» باب «كيف صلاة الليل» حديث (1666)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» حديث (1322) من حديث ابن عمر ب. وقال الترمذي: «اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم وأوقفه بعضهم وروي عن عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، والصحيح ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الليل مثنى مثنى. وروى الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه صلاة النهار، وقد روي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل مثنى مثنى وبالنهار أربعًا، وقد اختلف أهل العلم في ذلك فرأى بعضهم أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وهو قول الشافعي وأحمد، و قال بعضهم صلاة الليل مثنى مثنى ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعًا مثل الأربع قبل الظهر وغيرها من صلاة التطوع وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (1/182) وقال: «رواه الأربعة وابن حبان، قال البيهقي: قال البخاري: صحيح. وصححه الخطابي وقال البيهقي في خلافياته: صحيح رواته ثقات. وقال الحاكم: رواته كلهم ثقات ولا أعرف له علة. وخالف النسائي والدارقطني وضعفاه، وأصله في الصحيحين بدون لفظ النهار».
(3) أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة».
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل» حديث (1147)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (738).
(5) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/411) حديث (15433)، والترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في الصلاة عند الزوال» حديث (478) من حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن».
(6) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «الأربع قبل الظهر وبعدها» حديث (1270)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1270).
(7) «المغني» (1/433).
(8) أخرجه مالك في «موطئه» (1/119) حديث (261)، وقال: «وهو الأمر عندنا».