هل ميمنة الصف أفضل مطلقًا أم عند التساوي مع اليسار؟ يعني مثلًا الأقرب من اليسار للإمام أفضل من البعيد من اليمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهذه مسألة من مسائل النظر بين أهل العلم، والظاهر أن الأفضلية للجانب الأيمن من الصف، سواءٌ أقَرُب من الإمام أم بَعُد، وهو الذي أفتت به اللجنة الدائمة في بلاد الحرمين، فقد سُئِلَتْ عن ذلك فأجابت: الأفضل أن يكونَ في الجانب الأيمن من الصف، سواءٌ قرب من الإمام أو بعد؛ لعموم حديث: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ»(1).
وقد خالف في ذلك بعضُ أهل العلم وذَكَر أن هذا ليس على الإطلاق، ولو كان على إطلاقه لقال صلى الله عليه وسلم : أَتِمُّوا الأيمنَ فالأيمن، بدلًا مِن أَمْره بإتمام الصف الأول فالذي يليه، واختار أنه إذا تحاذى اليمينُ واليسار وتساويا أو تقاربا فالأفضل اليمين، كما لو كان اليسارُ خمسةً واليمينُ خمسةً وجاء الحادي عشر، نقول: اذهبْ إلى اليمين؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي، أو التقارب أيضًا؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أن اليسارَ القريبَ أفضل من اليمين البعيد، واستدلَّ على ذلك بأن المشروعَ في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثةً أن يقف الإِمام بينهما، أي بين الاثنين، وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقًا؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقًا لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ، ولكن كان المشروعُ أن يكونا واحدًا عن اليمين وواحدًا عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمامُ ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين، وقد نُوقش بأن الجمهورَ على أنهما إذا كانا كذلك وَقَفا خلف الإمام كما قال النَّوَويُّ : في تعقيبه على هذا الحديث: «وهذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه، وخالفهم جميعُ العلماء مِن الصَّحابة فمَن بعدهم إلى الآن فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلانِ وَقَفَا وراءه صَفًّا؛ لحديث جابر وحَبَّار بن صَخْر، وقد ذَكَره مسلم في «صحيحه» في آخر الكتاب في الحديث الطَّويل عن جابر، وأجمعوا إذا كانوا ثلاثةً أنهم يقفون وراءه»(2).
ومِن تسوية الصُّفوف تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أن أيمنَ الصَّفِّ أفضلُ مِن أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق؛ كما في الصَّفِّ الأول.
فالذي يظهر أن تفضيلَ ميامن الصفوف هو الأقرب في النظر. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر» حديث (676)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «فضل ميمنة الصف» حديث (1005)، وابن حبان في «صحيحه» (5/533) حديث (2160)، من حديث عائشة ل. وذكره المنذري في «الترهيب والترغيب» (1/189) وقال: «رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن».
(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (5/16).